وقد رأينا عن بعد جماعات من الناس مقبلة نحونا في مظاهرة كبيرة، وسمعنا أصوات الطبول والناي، وقد سألنا بعض المارين مستفسرين عن هذا الموكب وأخبرونا بأنه احتفال ديني، وأن هذه الجماعة تحمل صورة صغيرة للرب آمون؛ إله طيبة العظيم، وأنهم يتأهبون لحفلة دينية كبرى، سيكون على رأسها فرعون نفسه.
ووقفنا ملتصقين بأحد أبواب المنازل من شدة الزحام، وراقبنا الاحتفال وهو يمر أمامنا، فمر الموسيقيون والمغنون، وأخذت النساء يرقصن ويحركن في أيديهن قطعا من المعدن، وشاهدنا في وسط الجماعات ستة من الرجال كانوا مركز المظاهرة الدينية، وإليهم كانت تتجه الأنظار.
كانوا طوالا نحافا، حادي النظرات، محلوقي الرءوس، ملفوفي الأجسام في أثواب بيضاء من الكتان المصري الجميل. وكانوا يحملون على أكتافهم - بواسطة قضبان - أنموذجا لقارب نيلي مقام في وسطه تمثال صغير، وكان هذا التمثال مغطى بستر، لم يظهر منه شيء، كأنهم أرادوا أن يخفوا الإله عن عيون المتطفلين.
وكان أمام الباب الذي كنا مستندين عليه عمود خشبي مثبت في وسط الشارع، فلما وصل الرجال إلى هذه البقعة وضعوا القارب الصغير على قمته، وكان مع اثنين منها بخور فحرقاه، وتصاعد دخانه حول القارب والتمثال.
ثم رفع كاهن صوته، وعدد مناقب الرب العظيم الذي خلق كل شيء وصان كل شيء، وعلى أثر ذلك تقدم بعض الواقفين، وقدموا للرب أزهارا أو فواكه ومأكولات أخرى.
بعد ذلك أتت الدقيقة الرهيبة، وتقدم كاهن من التمثال، وأزاح الستر الذي يخفيه، في وسط سكون مخيم كتمت فيه الأنفاس، ورأينا أمامنا صورة خشبية لا يزيد ارتفاعها عن ثماني عشرة بوصة، مزينة بالأوسمة، وملونة بالأخضر والأسود.
ولقد كان لظهور الصورة من التأثير على الطيبين (وهي أقدس شيء في العالم في نظرهم) ما جعل ألسنتهم تلهج بآيات الإعجاب والعبادة.
أسدل الستر بعد ذلك على التمثال، وواصل الموكب سيره، وتبعته الجموع الغفيرة، فعادت الشوارع إلى ما كانت عليه من السكينة والهدوء.
وكان علينا إن أردنا مشاهدة فرعون - في أثناء مروره إلى معبد آمون - أن نسرع بتناول الغداء، وعلى ذلك رجعنا إلى شاطئ النيل مخترقين الشوارع المضللة التي قطعنا في سيرنا الأول، وذهبنا توا إلى سفينتنا لتناول طعام الغداء.
الفصل الرابع
Bog aan la aqoon