Masar Min Nasir Ila Harb
مصر من ناصر إلى حرب
Noocyada
إن الصفات الشخصية لأي رجل دولة لها دور كبير، بطبيعة الحال، في تحديد أفعاله وتصرفاته. وهي تضفي عليه ظلالا خاصة ينبغي وضعها أيضا في الاعتبار. وحتى في وجود ديمقراطية برجوازية على نحو أو آخر، حيث نجد ما يشبه اتخاذ القرارات على نحو جماعي، وبهذه الصفات الشخصية لرجل الدولة يكون لها دور كبير عند اتخاذ هذه القرارات، حتى في وجود رجال دولة آخرين يفترض أنهم يشاركون في تحمل جزء من مسئولية اتخاذ هذه القرارات بصورة ما.
وفي دولة ذات مكانة كبيرة مثل مصر الحديثة، يمتلك الرئيس في الواقع سلطات لا حدود لها، وهي سلطات لا يشاركه فيها عمليا أحد. فإذا سارت الأمور على نحو حسن تظهر هنا «حكمة» الرئيس المسئول عن القرارات التي اتخذها، أما إذا كان الخطأ فادحا فسيتم العثور على شخص ما آخر تلقى على كاهله المسئولية. ومن ثم فإن الصفات الشخصية للرئيس المصري في دولة لم تتحول بعد إلى حتى ما يشبه الديمقراطية، يكون لها دور مبالغ فيه، سواء تشاور مع أحد ما أم لم يتشاور، فإذا لم يجد مناصا من التشاور فإنه يختار بنفسه من يتشاور معه.
لا توجد بالطبع رقابة على تصرفات الرئيس سواء من البرلمان أو من الاتحاد الاشتراكي العربي. يكفي أن نتذكر في هذا السياق كيف تعامل السادات مع الناصريين الذين أرادوا تقديم النصح له والتأثير عليه. ووفقا للقواعد المعمول بها في مصر، فإن توجيه النقد لتصرفات الرئيس يعد خيانة للدولة. ذات مرة، عندما أثارت التصرفات القمعية للرئيس تجاه الشباب اضطرابات كبيرة في البلاد، ألقى السادات خطابا تحدث فيه عن وجود .. ديمقراطية في البلاد. وقال، وقد ارتسمت على وجهه مظاهر الجدية دليلا على صواب فكرته، إن التفكير في أي شيء أمر مسموح به في البلاد. وأضاف الرئيس أن أي عمل ينبغي أن يكون مؤيدا للرئيس، أما ما يجري التفكير فيه فينبغي أن يظل في رأس كل من لا يتفق مع السلطة! هذه هي الديمقراطية على الطريقة الساداتية.
لقد تحدثنا آنفا عن العقيدة السياسية عند السادات، وهي الشيء الرئيسي الذي يحكم تصرفاته ومنهجه.
والآن نتحدث عن بعض السمات الشخصية المهمة للرئيس بوصفه رجل دولة.
لقد ترسخ لدي اقتناع عميق أن السادات قد تأثر بشدة من جراء تلك العلاقة التي عايشها مع «رفاقه» الآخرين أعضاء مجلس الثورة، إذا جاز التعبير. ومن المعروف أن معظم هؤلاء الرفاق كانوا يتعاملون معه دائما بشيء من التجاهل والسخرية، ربما في سياق علاقة الصداقة. لكن كثيرا من الناس في مصر أخبروني أن السادات قد عانى بشدة بسبب هذه المعاملة تحديدا. ومن الواضح أن هذا الأمر انعكس في هذه الرغبة النفسية لدى السادات أن يصبح دائما «أعلى من محدثه»، ما دام وضعه الحالي يسمح له بذلك.
لقد تولد لديه بسبب ذلك شعور هائل بالارتياب وعدم الثقة إلى حد الوسواس، حتى إنه يغضب بسرعة وعلى نحو عاصف عندما لا يدرك، على سبيل المثال، المغزى من وراء نكتة من النكت. عموما لم يكن السادات من الذين يحبون النكات أو يحكون الملح والنوادر. أنا نفسي، على سبيل المثال، لم أسمع منه مرة واحدة حكاية مضحكة أو مقارنة ساخرة. ببساطة لم يحك نكتة أمامي، كما أن ذلك لم يحدث أثناء لقاءاته بالزعماء السوفييت. عمليا لم يكن بمقدور السادات أن يضحك، وإنما كان يفتح فمه ويرفع صوته قائلا: «ها، ها، ها!» وعندما يبتسم فإنه يحرك فمه مبتسما ويهز شاربه، أما عيناه فلا تجد فيهما أثرا للضحك أو الابتسام.
من هنا سعى السادات بكل طريقة لتجنب تلك المواقف التي قد يستشعر فيها أنه «ليس على القمة»، إذا جاز القول. وهنا تحديدا ما يفسر خوفه من الأحاديث الصريحة مع الزعماء السوفييت، وخاصة إذا كان هناك نفر آخرون يحضرون اللقاء. كان يتحفظ بشدة، بحيث يدرك المرء على الفور دون إرادة منه أحاسيسه، أحاسيس رجل في مرمى النيران. ولهذا كان السادات يفضل أن يتحدث مع الآخرين في الأمور المهمة على انفراد دون شهود لا حاجة له بهم.
في أحاديثي معه، والتي كان يرتبها لي بالطبع على نحو مختلف عن الأحاديث التي كانت تدور مع الزعماء السوفييت، كنت بالنسبة له مجرد سفير لا أكثر، شخص أقل رتبة. كان الرئيس يحب أن يطرح فكرته من أعلى. أن يفرض رأيه قسرا، وليس عن طريق الإقناع.
ولم يكن الرئيس يميل، على سبيل المثال، أن تساق إليه حجة مضادة، وقد لا تتعارض هذه الحجة كثيرا مع حججه هو نفسه، وإنما تكون قد جاءت في سياق المناقشة على سبيل توضيح فكرته ذاتها على نحو أفضل. لم يكن يرغب إطلاقا في الجدل ولو لتوضيح جوهر الأمر، ناهيك عن الاختلاف؛ ولهذا كان عنيدا.
Bog aan la aqoon