Masar Min Nasir Ila Harb
مصر من ناصر إلى حرب
Noocyada
فيما بعد، قام عزيز صدقي برحلة عاجلة إلى موسكو حاول فيها التخفيف من أثر الانطباع الذي تركه قرار السادات، كما حاول إقناعنا بأن نعتبر أن قرار إنهاء عمل البعثة العسكرية كما لو أنه جاء نتيجة لاتفاق ثنائي بين البلدين، لكن محاولاته باءت بالفشل. لم يوافق السادات على أن يتم إنهاء عمل العسكريين السوفييت تدريجيا، وقد توصلنا إلى اتفاق يقضي بأن تكون المدة من شهرين إلى ثلاثة أشهر تقريبا. أما حجتنا الأساسية في أن يتم الأمر تدريجيا فكانت أن نترك انطباعا لصالح القرار يتمثل في ألا نترك للأعداء فرصة للشماتة. أما بالنسبة للسادات فكان من الواضح أنه كان يسعى من وراء قراره أن يلوح علنا للأمريكيين أنه مستعد للتعاون معهم.
ما الذي كانت تمثله هذه الخطوة التي اتخذها السادات؛ إظهار عدم توازن شخصيته، أم أفعالا مبنية على حسابات عميقة؟
أعتقد أن العاملين كانا موجودين. في المقام الأول، بالطبع، كان اتخاذ القرار مسبقا بانسحاب العسكريين السوفييت من مصر؛ لأنه بدون ذلك لم يكن الأمريكيون ليعدوا بأي تدخل في قضية الشرق الأوسط. وقد أعلنوا مباشرة، بما فيهم كيسينجر وزير الخارجية الجديد، أن الهدف الأول للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط ينحصر في «طرد» الروس.
من جانب آخر، أظهرت أفعاله الصفات المميزة لشخصيته. لقد اعتبر السادات أن لحظة استلامه رد القيادة السوفييتية تحديدا، هي اللحظة المناسبة تماما ليقوم بإبلاغنا بقراره الخاص بالعسكريين السوفييت؛ لأن ذلك من شأنه أن يجرح إحساس الزعماء السوفييت، وبالتالي فإن خطوته التي أحكم تدبيرها سوف يكون لها رد فعل بالغ القوة في الاتحاد السوفييتي، حتى إنهم سيحترمونه أكثر على هذه الشجاعة، إذا جاز التعبير.
كان السادات كثيرا ما يستخدم تعبيرات فاحشة للغاية دون خجل في حق الزعماء السوفييت في وجود أناس كانوا يحاولون إبلاغنا بها دون خطأ. أما هو فكان يعلم جيدا أن هذه التعبيرات سوف تصل حتما إلى موسكو.
بعد قراره الخاص بالعسكريين السوفييت، كان على السادات، بطبيعة الحال، أن يشرح على نحو ما تصرفه أمام مختلف فئات المجتمع المصري، لكن خطبه كانت تتضمن دائما شيئا واحدا؛ الاتحاد السوفييتي يتعامل مع مصر على نحو سيئ؛ فهو لا يحافظ، على سبيل المثال، على عهوده ويتآمر مع الأمريكيين، وهلم جرا. باختصار كان يضفي على صورتنا أسوأ الصفات. وفي هذا السياق كان يلجأ إلى الإفصاح عن الرسائل السرية التي كان الزعماء السوفييت يرسلونها إليه! لقد ضاع معنى الحفاظ على سرية هذه الاتصالات، وكأن الرجل يريد أن يقول لنا: إنني لا أريد هذه الرسائل.
وفي تصرف على طريقة ملوك الشرق، أعلن السادات أنه لن يستقبل مجددا السفير السوفييتي، وإذا كان لدى السفير السوفييتي تفويض بتوصيل أية رسائل إلى الرئيس، فإن بإمكان هذا السفير تسليمها إلى رئيس الوزراء أو إلى وزير الخارجية. كان من الواضح أنه يريد أن يعطي انطباعا أنه أهين (ممن؟)، وأنه سوف يتوقف عن تبادل الرسائل السرية مع الزعماء السوفييت.
راحت العلاقات بين البلدين تستقيم من جديد تدريجيا، وإن حدث ذلك ظاهريا فقط. عاد الرئيس من جديد يستقبل السفير السوفييتي ويرسل من خلاله الرسائل ويستقبلها. أما تفسير ذلك الأمر فكان بسيطا للغاية؛ لقد «التهم» الأمريكيون العربون الذي قدمه السادات لهم، والذي تمثل في إبعاد الخبراء السوفييت من مصر، وبدا أن هذا الثمن غير كاف، وكسابق عهدهم لم يقدموا شيئا لحل الصراع العربي الإسرائيلي. كانت المشكلة في الحكومة التقدمية التي كان يرأسها آنذاك عزيز صدقي في مصر.
وفي الوقت نفسه سرعان ما شعرت القيادة العسكرية في البلاد أن خروج العسكريين السوفييت قد أدى إلى تردي الأوضاع داخل القوات المسلحة بشكل واضح. لقد تعرضت كمية كبيرة من السلاح الحديث المعقد للأعطال بسبب عدم اتخاذ إجراءات الصيانة اللازمة. وهنا وافق السادات ، على كره منه، على رأي قادته العسكريين الذين اقترحوا اللجوء مرة أخرى إلى الاتحاد السوفييتي طلبا للمساعدة.
في ربيع عام 1973م أزاح السادات عزيز صدقي من منصب رئيس الوزراء، كما أزيح عبد السلام الزيات من كل المناصب الحكومية التي كان يشغلها، وأصبح السادات هو رئيس الدولة ورئيس الحكومة، بل و«الحاكم الأعلى».
Bog aan la aqoon