Masar Min Nasir Ila Harb
مصر من ناصر إلى حرب
Noocyada
وبنفس مشاعر الفرح الصادق، قابل المصريون السوفييت لحظة تدشين أول سفينة صيد بنيت في مصر في ترسانة الإسكندرية التي أنشئت بمساعدة الاتحاد السوفييتي، حتى إن المصريين قاموا بتسلق أبراج الأوناش والجلوس على الخطاطيف المتأرجحة.
وأمام الساحة الصغيرة التي جرت فيها مراسم تدشين السفينة ذبح المصريون وفقا لتقاليدهم الشعبية، عجلا، وراح العشرات من العمال يغمسون أكفهم في الدم الطازج ابتهاجا بهذا الحدث الكبير.
لعل المهمة الأولى التي يحرص كل سفير جديد على القيام بها هي إقامة العلاقات والروابط مع الشخصيات القيادية المحلية ورؤساء البعثات الدبلوماسية، وهؤلاء عددهم ليس بالقليل، وهو ما يعني في الواقع زيارات تتلوها زيارات، فضلا عن ضرورة استقبالهم عندما يقومون برد الزيارة. إنه جهد غير عادي، خاصة عندما تقع أحداث أو تنفجر مشكلات لا تحتمل الانتظار، وهذه كانت تزداد يوما بعد الآخر.
لقد نجحت في وقت قصير في التعرف، بالدرجة الأولى، على غالبية الشخصيات القيادية في البلاد، ومن بينهم علي صبري وحسين الشافعي، نائبا الرئيس، والدكتور محمود فوزي رئيس الوزراء (وهو واحد من أقدم السياسيين منذ عهد الملك السابق فاروق)، ومحمود رياض وزير الخارجية، ومحمد فوزي وزير الحربية، ولبيب شقير رئيس مجلس الأمة، وشعراوي جمعة أمين اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي ووزير الداخلية، وسامي شرف وزير شئون رئاسة الجمهورية (وكان في الواقع المنسق لنشاط المخابرات ومكافحة التجسس)، وعدد آخر من الشخصيات. كان هؤلاء هم المقربون من ناصر في سنواته الأخيرة.
كانوا أناسا ودودين للغاية، بعث بهم ناصر عدة مرات إلى موسكو وكانوا يشاركونه في المباحثات، وقد توطدت بيني وبينهم علاقات عمل جيدة.
لم يكن ذلك كافيا، بطبيعة الحال؛ لكي أحيط بالأوضاع في البلاد بشكل تام. لقد كانت معظم الأمور تتوقف على الرئيس نفسه. جدير بالذكر أن السادات أكد لألكسي كوسيجين ولي أيضا أن العلاقات بين بلدينا لن يمسها أي تغيير، بل إنها ستزداد قوة ورسوخا.
على أنه سرعان ما تراكمت السحب في الأفق. وفي لمح البصر اختفت لدى الرئيس الجديد الصراحة والثقة في علاقاته بنا، تلك الصفات التي ميزت ناصر ليحل محلهما الشك والسخط لسبب أو آخر.
كانت ظاهرة غريبة استمرت لفترة ما دون تفسير؛ فالاتحاد السوفييتي آنذاك لم يغير سياسته الودية البناءة تجاه مصر، ولم يكن هناك تصرف واحد ملموس يمكن أن يعكس أي شكل من أشكال التغير.
ترى هل كان ذلك يعني تغيرا في مزاج ونهج وسياسة الرئيس الجديد؟ لم يكن من السهل مطلقا الإجابة آنذاك، بشعور بالمسئولية، على هذا السؤال البالغ الأهمية بل والحاسم إذا جاز التعبير. وتمثلت صعوبة الإجابة أيضا في أن غالبية الشخصيات السياسية ورجال الدولة الذين ظلوا في مناصبهم بعد رحيل ناصر كانوا متمسكين بعلاقاتهم الودية تجاه الاتحاد السوفييتي. على أنه وبعد مرور شهرين أو ثلاثة، بدأ جزء من هؤلاء المسئولين - وهو جزء ضئيل في الواقع - في ترديد أقاويل السادات المتعسفة وافتراءاته على الاتحاد السوفييتي، وهي أقاويل لا تقوم على أساس، وخاصة فيما يتعلق بالمسائل العسكرية. وفجأة، إذا بنا أمام مقال في صحيفة أو في إحدى المجلات، حيث يعمل نفر من أصدقاء السادات أو شركائه في الفكر، يتحدث عن نقص صفقات الأسلحة السوفييتية أو عن تدني المستوى الفني لها، ويخلص «الخبير المجهول» إلى أن أجهزة الكمبيوتر توصلت إلى أن «حالة اللاسلم واللاحرب» القائمة مع إسرائيل لا يستفيد من ورائها سوى الاتحاد السوفييتي. لم تكن هذه الحملات لتهدف إلا إلى بذر روح الهزيمة لدى المصريين وتشكيكهم في قواتهم المسلحة وإهالة التراب على أصدقائهم. كان هذا التوجه الملفق والمصطنع واضحا تمام الوضوح؛ فالمصريون، فضلا عن أعدائهم ذاتهم، كانوا يعلمون جيدا قدر المساعدات الهائلة التي قدمتها بلادنا من أجل رفع القدرة الدفاعية للجيش المصري والمساهمة الحاسمة في دعمه والوصول بها إلى مستوى قتالي رفيع.
على أن البعض لم يدرك على الفور أن هذا التوجه قد بدأ مبكرا للغاية بهدف تبرير تراجع مصر عن نضالها ضد الإمبريالية والقيام بتلك التغييرات في السياسة الداخلية والخارجية التي أضمرها السادات ثم أقدم على تنفيذها مؤخرا.
Bog aan la aqoon