Taariikhda Masar xilligii Khediw Ismaaciil Basha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Noocyada
على أن باطن الضمانات المقدمة كان غير ظاهرها.
فالضرائب الشخصية - مثلا - وإن ذكرت في ميزانية سنة 1871-1872، فإنما ذكرت وعليها التأشير الآتي «هذه الضرائب الشخصية قد ألغيت بعد عرض هذه الميزانية.» وفي الواقع فإنها لم تذكر في ميزانية سنة 1872-1873.
والضرائب غير المقررة لم يكن لها أثر بالمرة، حتى ولا في الميزانية المصححة المنشورة في 3 أكتوبر سنة 1873، والمكس على الملح، فإنه كان من ضمن الضمانات المختص بها قرض سنة 1868، عملا بالبند الأولى من عقده. والمليون الناتج عن «المقابلة» لم يكن الاعتماد عليه ممكنا إلا لغاية سبتمبر سنة 1877، وذلك عملا بالمادة الثانية من قانون «المقابلة» عينها، المعين لتمام إجرائها مهلة ست سنوات. وأما القرض فنهاية استهلاكه سنة 1903.
ولا شك في أن اليهود الذين أخذوا على أنفسهم تصدير القرض بالضمانات التي ذكرناها كانوا أدرى الناس بحقيقة قيمتها الصحيحة، فإذا أقبلوا - بالرغم من ذلك - على تصديره، فلأنهم كانوا متعمدين السرقة تعمدا أكيدا، ولم يكن ليهمهم ما داموا يستردون من الحكومة المصرية الملايين الخمسة التي أقرضوها إياها في العام الماضي بأرباح هائلة، ويصرفون أيضا بما يوازيه، وبسعر جيد أوراقا مالية مصرية لا يستطيعون مطلقا تصريفها في أي سوق بذلك السعر، لم يكن ليهمهم أن يحرق دم الشعب المصري، ولا أن تعرض أموال المكتتبين المزمعين في القرض إلى بعض الضياع.
أما وزير المالية، فلم يكن هو أيضا ليجهل طبعا أن الضمانة الوحيدة الأكيدة التي يصح أن يرتكن إليها أصحاب أموال «القرض الكبير» العتيدون، إنما هي إيرادات السكة الحديدية لا غير، لأن ضمانة الإيرادات عينها، المؤمنة لسداد الأقراض السابقة الأخرى، حينما تصبح حرة، كانت وهمية أكثر منها صحيحة، وذلك لأن تلك الأقراض لم تكن لتسدد إلا في سنة 1892 وسنة 1898، ما عدا قرض سنة 1862 الذي كان يتم سداده في سنة 1879.
فإقدام إسماعيل صديق باشا على عقد اتفاق ذلك القرض المشئوم لم يكن ليبرر إلا بأن هذا الوزير أصاب من عمليته فائدة شخصية جسيمة، وأنه ربما أقدم على عمليته وهو موطن نفسه منذ ذلك الحين على أن يخرج مؤقتا من الورطة التي هو فيها، فيتمكن بذلك من سرقات جديدة ما استطاع إليها سبيلا، ثم يشهر إفلاس الخزينة المصرية، حينما لا يعود يجد في السداد بابا لانتفاع تال.
وإلا فإنه كان يعلم حق العلم أنه إذا اتخذت ميزانية سنة 1872-1873 قاعدة للميزانيات التالية، فإن الزيادة التي تقررت تعليتها على الجزية السنوية المربوطة سابقا، والمبلغ الذي يصبح دفعه واجبا سنويا في استهلاك القرض الجديد، وعجز النصف في إيرادات الضرائب العقارية، بسبب تنفيذ قانون «المقابلة»، كل ذلك إذا أضيف إلى المصروفات السنوية المقررة في تلك الميزانية أوجب عجزا سنويا قدره أربعة ملايين ونيف وربع مليون من الجنيهات - وهو عجز يتعذر استمرار الحكومة على احتماله.
وكان يعلم من جهة أخرى حق العلم، أن الدين السائر - وقد قدره هو نفسه بخمسة وعشرين مليونا من الجنيهات في شهر مارس المنصرم - كان قد ازداد في بحر الثمانين يوما التالية، بما صرف من حوالات «المقابلة»، أي بما بلغت قيمته سبعة ملايين ومائة وخمسين ألف جنيه، فأصبح ذلك الدين السائر اثنين وثلاثين مليونا على الأقل - وهو مبلغ لم يكن في الاستطاعة تغطيته بما يحصل من صافي القرض حتى لو حصل هذا الصافي كله، لأنه يستحيل أن يزيد على أربعة وعشرين مليونا من الجنيهات، في أحسن الاقتراضات، فكيف ولم يكن يصح لعاقل توقع تحصيل ذلك الصافي كله، لا سيما بعد التصريح لمحل أوپنهايم وشركائه بدفع تسعة ملايين، ورقا ماليا بدلا من دفعها نقدا؟
فالمعقول إذا هو أن الوزير إنما رأى في ذلك القرض الباهظ وسيلة للخروج من ضيق مؤقت بملء خزينته الشخصية دون مبالاة بالعواقب، وذلك لاعتماده منذ تلك الساعة على أن تكون العاقبة النهائية الإفلاس.
في هذه الظروف، وبتأثير الرغبة في السرقة عند المتعاقدين، أصدر محل أوپنهايم وشركائه «القرض الكبير»، موزعا على مليون وستمائة ألف سهم، قيمة كل منها عشرون جنيها إنجليزيا، بفائدة سبعة في المائة، وفتحوا قوائم الاكتتاب فيه يومي 29 و30 يولية سنة 1873 بباريس ولندن والإسكندرية وأمستردام وبروكسل وأنڨرس وچنيفا والأستانة، و64 مدينة من المدن الفرنساوية التي كان «للشركة العمومية» توكيلات فيها، بعد أن أعلنوا عنه مدة في كل جرائد المعمور، وبعد أن نشر في 22 يولية من السنة عينها، في «الوقائع الرسمية»، نص الفرمان الأخير الصادر من السلطان، ومصدق عليه من الدول، اطمئنانا للخواطر، ولكيلا يحول دون نجاح الاكتتاب خوف على المصالح المالية من نشوء خلاف بين مصر وتركيا كخلاف سنة 1869.
Bog aan la aqoon