Taariikhda Masar xilligii Khediw Ismaaciil Basha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Noocyada
أما القرض الثاني - قرض الدائرة السنية - فبعد تزاحم بنك الأنجلو، ومحل أوپنهايم وشركائه على عقده، فاتفاقهما على عقده معا، فانسحاب محل أوپنهايم في آخر لحظة، بل في دقيقة التوقيع عينها، بناء على إشارة برقية وردت من باريس إلى النائب عنه في العباسية بمصر، حيث كان الاجتماع معقودا في كشك أنشأه الأمير حديثا، وبعد قبول الأنجلو القيام به وحده، على أن يكون ثلاثة ملايين وثلاثمائة وسبعة وثمانين ألفا وثلاثمائة جنيه أوراقا مالية، بفائدة سبعة في المائة، ولا يقرض نقدا في الواقع سوى ثلاثة ملايين فقط، وتكون مدة التقسيط خمسة عشر عاما، وضمانة السداد تحويل إيرادات أملاك (إسماعيل) الخاصة إلى الدائنين، وتوقيع رهنية على ثلاثمائة وخمسة وستين ألف فدان، ألحق كشف ببيانها بعقد القرض عينه، وبعد طرحه في السوق لتغطيته، والفشل في ذلك، لعدم تغطية سوى سبعة ملايين من الفرنكات من الخمسة والسبعين مليونا المطلوبة، ورجوع الأنجلو على الدائرة السنية لإجبارها على استرداد السندات غير المكتتب بها - بعد ذلك جميعه، قر الرأي في نهاية الأمر بين حافظ باشا ناظر الدائرة السنية عن الأمير، ومالي يقال له المسيو تشرنسكي، على أن هذا المالي مقابل قيام (إسماعيل) بإيداع ما قيمته مليون وخمسمائة ألف جنيه إنجليزي من تلك السندات في البنك العقاري في باريس، يضع تحت تصرف الدائرة السنية اثنين وعشرين مليونا وخمسمائة ألف فرنك، منها اثنا عشر مليونا وخمسمائة ألف فرنك في نوفمبر، وعشرة ملايين في ديسمبر سنة 1866، مقابل عمولة قدرها واحد ونصف في المائة، تستقطع عند صرف كل من القسطين، وفي نظير فوائد قدرها عشرة في المائة سنويا، على أن يسدد رأس المال والفوائد في 31 ديسمبر سنة 1867، وإلا بيعت ضمانات السداد.
ولكنه ما أتت سنة 1868 إلا وكان الحصول على فرمان 8 يونية من السنة السابقة المانح (إسماعيل) لقب «خديو»، وإقامة قسم المعرض المصري في معرض باريس العام، وزيارة (إسماعيل) للعاصمتين الفرنساوية والإنجليزية، وما أحاط تلك الزيارة به من مظاهر الترف والبذخ ليجعل مركز مصر سنيا، ودرجتها رفيعة في الأنظار، وما أنفقه بعد ذلك في الأستانة، لإظهار ولائه للسلطان، ولاستصدار فرمان سبتمبر سنة 1867، الموضح ما غمض في فرمان 8 يونية السابق، من الامتيازات الممنوحة، قد أدى إلى ضيق في المالية، ارتفع معه معدل الخصم إلى 16 في المائة، وبات من المحتم النظر في إفراجه.
فقر الرأي على اقتراض قرض جديد، ووافق (إسماعيل) على ذلك.
وما ذاع سر الرغبة فيه إلا وبرز محل أوپنهايم وشركائه على مسرح المعاملات، وتقدم ليكون واسطة في استصداره.
غير أن الفصل البارد الذي ارتكبه أثناء المخابرات في قرض السنة السابقة، كان لا يزال ينغل قلب (إسماعيل) عليه، فما وسع ذلك المحل إلا مراقبة تطورات المخابرات الجديدة عن كثب، لاغتنام أول سانحة تجيز تداخله، وخلا الجو لتشرنسكي - وكان نجاحه في إتمام قرض سنة 1866 قد جعله مقربا إلى قلب الخديو الأول - فكلفه راغب باشا، كبير الوزراء ووزير المالية في تلك السنة، بالسعي إلى إتمامه.
وكان راغب باشا هذا من الأسرى اليونان المسيحيين الذين أتى بهم (إبراهيم) الهمام أرقاء إلى مصر، فلما اعتنقوا الدين الإسلامي أعتقوا وأحسنت تربيتهم، (وهو والد إدريس راغب بك أستاذ الماسونية المصرية الأكبر)،
3
وكان في سنة 1868 شيخا جليل القدر، ضيق الفكر، ليس عنده من الحذاقة المالية إلا ما يتفتق له ذهنه من الحيل في سبيل تأجيل دفع المستحقات من أجل إلى أجل، ودفعها بعد ذلك نقطة نقطة. فلم يكن إذا بالمالي الذي يميز الغث من السمين في الارتباكات المالية، ولا بالرجل الذي يصح الاعتماد عليه في الشدائد.
وكانت الأقدار قد ساقت إليه، لسوء حظه، رجلا ألزاسيا أتى مصر قبل بضع سنوات، فتعين رئيسا لقلم قضايا وزارة الأشغال العمومية في عهد إسنادها إلى نوبار باشا، لشدة الاحتياج فيها إلى رجل خبير بالتشريع والقوانين، يمكن الوقوف بواسطة خبرته في سبيل مطامع الأجانب الذين يتعاقدون مع الحكومة، وغرضهم الحقيقي ليس إتمام عمل، ولكن التذرع بأية وسيلة لجعل الحكومة مسئولة عن عدم إتمامه، وإلزامها ثمت بتعويضات يثرون منها بسهولة.
وكان ذلك الإلزاسي على تمام درايته بالقوانين، تام الاستقامة، نزيه النفس، ذا ذاتية خاصة به، تميز ذكاءه عن كل ذكاء آخر، حسن المعاشرة، عذب المحادثة، محبا للكلاب، مغرما بالصيد والقنص، ذا دراية لا بأس بها بالطب البيطري، لا يحنف عن التنجيم أحيانا - وتصح معه صناعته - لطيف التنكيت والمزاح، فصيح اللهجة، حائزا - بالاختصار - كل ما كان من شأنه جعله محبوبا عند الخديو ومقربا إليه. وكان على قلة بضاعته في الأمور المالية، قد انتقل من وزارة الأشغال العمومية إلى وزارة المالية، فعهد الوزير إليه أمر الاهتمام بإتمام القرض الجديد، ووضع شروطه مع المسيو تشرنسكي.
Bog aan la aqoon