Taariikhda Masar xilligii Khediw Ismaaciil Basha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Noocyada
واقتفى فراعنة الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين خطوات أسلافهم الأماجد؛ فحارب إمزيس الثاني على ضفاف نهر العاصي (الأورنتيس) وفي ضواحي حلب، وقاتل رامزيس الثالث تحت قلاع رفح تارة، وأخرى عند خليج السلوم.
على أن عواهل مصر القدماء كانوا إلى التوسع في الميدان الشرقي أميل منهم إلى التوسع في الميدان الجنوبي: إما لأن البلاد الشرقية كانت معروفة لديهم أكثر من البلاد الجنوبية، وكانوا يعتقدونها أكثر من هذه ثروة وخيرات، وإما لأنهم - لتوقعهم منها شرا، لا سيما بعد غزوات شعوبها المختلفة التي قلبت السلطنة المصرية القديمة رأسا على عقب، وعادت فأغارت على الوادي الخصيب، وقوضت معالم الإمبراطورية المصرية الوسطى، وأقامت على عرش فراعنتها الأماجد الأسرتين الهكسوسيتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة - كانوا يرون الحرب الهجومية خير أنواع الحرب الدفاعية، وأجداها فائدة، وإما لأن بلاد الجنوب، بعد تزوج أحمس «المخلص» من الأميرة نفرتاري النوبية الجميلة، وريثة عرش نپاته، وانضمام بلادها إلى بلاد التاج المصري، وتلقب ابنها وولي عهدها «بأمير كوس» - وهو اللقب الذي أصبح ولي عهد الفرعونية المصرية يختص دائما به منذ ذلك الحين، كما اختص بلقب «أمير ويلز» ولي عهد المملكة الإنجليزية منذ أن ضم إدورد الأول البريطاني إمارة ويلز إلى أملاك عرشه - باتت معتبرة عضوا في الإمبراطورية المصرية، وجزءا متمما لكيانها، ولو أنها أنجبت فيما بعد ملوكا أصلهم مصري أغاروا على قطر أجدادهم وجلسوا على عرش عواهلهم.
لذلك، حينما استتبت أقدام الأسرة السادسة والعشرين على عرش القطرين، واتقدت روح الفتح في صدور أكابر فراعنتها، هب نيخاؤ إلى الاكتساح في الميدان الشرقي، بالرغم من أن رحلة عمارته المصرية الفينيقية حول القارة الأفريقية، واشتطاطها سواحلها كافة، من القلزم إلى رأس العشم بالخير، فإلي بوغاز جبل طارق أو «عمد هرقل» - كما كان يدعى ذلك البوغاز في تلك الأيام - فإلى ثغر پلوزا (الفرما)، كان من شأنها أن تفتح أمام مطامعه ميدانا يشبع اتساعه الشاسع كل جوع إلى الفتح ومجده، والاستعمار وفخره.
ولما آل العرش المصري إلى البطالسة، فإنما كان الميدان الشرقي مطمح أنظارهم ومجال جهودهم، وإنما كانت كتائبهم تسير إلى بطاحه لتبارز كتائب ملوك سوريا وغيرها.
كذلك كان ذلك الميدان عينه، بالرغم من وعورته، محط رحال فروسية الطولونيين المجيدين أحمد وخمارويه، والإخشيد، والفاطميين الساطعي الشهرة المعز والعزيز، ومن حذا حذوهما من خلفائهما، وصلاح الدين الأيوبي، البطل الأجل والسلطان الأكمل، وكبار أبطال السلاطين المماليك المصريين، من قطز وبيبرس البندقداري وقلاوون والناصر، إلى برقوق وبرسباي وقايتباي والغوري المنكود الحظ.
على أن الظلام الدامس الذي انسدلت سدوله على أقطار الميدان الجنوبي، منذ أن أضاعت مصرنا الأسيفة استقلالها على يد ذلك الظالم المجنون قمبيز الفارسي، كان يبرر إلى حد ما انصراف همم الجالسين على عرشها عن انتشارها فيه، لا سيما بعد أن ذاعت عنه الأنباء الخرافية التي روجها كتاب العرب وغيرهم، والتي جعلت المخيلات تتصوره أسود من الناس القاطنين فيه، ومفعما أهوالا تتضاءل أمامها أهوال «بحر الظلمات» الشهير.
ولما أرادت العناية الإلهية أن يئول زمام القطر المصري إلى يد (محمد علي) القديرة، وفتحت همة هذا النابغة المتفوق وعزيمته آفاق آمال جديدة أمام البلاد، فإن الجهود المصرية وجهت شطر الميدان الشرقي أولا، وسارت فيالق الفاتح الجديد تحت إمرة ولده طوسون، فإمرة ولده (إبراهيم) الهمام إلى البلاد العربية ترغم أنوف الوهابيين، وتحني جباههم أمام الجالس على عرش الأستانة. ولولا أنه تواترت الإشاعات عن وجود مناجم ذهب في مجاهل السودان لما فكر (محمد علي) في فتح أصقاعه، ولما شغل نفسه في تجهيز الحملات إليها، بالرغم من نزوح بقايا الأمراء المماليك الذين قضى عليهم إلى إقليم دنقلا، ورغبته في اجتثاث جرثومتهم ومحق أثرهم.
ومع ذلك، فإنه هو أيضا حينما اتضح له أن حكاية مناجم الذهب «حديث خرافة يا أم عمرو» حول مطامعه عن الميدان الجنوبي بالمرة، وأخذ يشرئب بها إلى ظروف تمكنه من تسيير ألويته إلى الميدان الشرقي المعتاد.
ولا غرو؛ فرجل مثله مغرم بالمجد والشهرة، رغاب في أن تتحدث بسيرته الركبان والألسنة، متحمس للإسكندر القائل وهو على ضفاف الهندس: «ألا كم أقاسي، لكي تمدحوني أيها الأثينيون!» وللبطالسة، المذكرته بمجدهم جزيرة فارو المتقدمة في البحر، شرقي سراية براس التين، رجل مثله، كثير الكلام عنهم، كأن مواطنته لهم توجب شيئا من القرابة والنسب بينهم وبينه، حتى لقد يروى عنه أنه سمع مرة بعضهم يحكي قصة عن المكدوني العظيم تأخذ بمجامع الانتباه والالتفات، فهتف بخيلاء قائلا: «وأنا أيضا من فيلپي!»
2
Bog aan la aqoon