Taariikhda Masar xilligii Khediw Ismaaciil Basha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Noocyada
على أن الذي كان يثير الانفعالات في النفوس، ويحمل القلوب على الامتعاض الشديد أكثر من ضياع الحقوق المدنية، على ما كان في ضياعها من المضاضة، كيفية القيام بالعدالة الجزائية.
فبينما السلطة المحلية، في تركيا ، تقبض بنفسها على المجرم وتحاكمه أمام محاكمها الجنائية، سواء ارتكب جريمته ضد أحد الأهالي أم ضد أجنبي مثله، وتنفذ فيه الحكم الذي تصدره تلك المحاكم، كأنه أحد رعاياها، لا يميزه عنهم مميز، كانت السلطة بمصر لا تكاد تتجاسر على إلقاء القبض على الجاني الأجنبي، وتكاد تحتاج في ذلك إلى استئذان قنصليته، وإحضار أحد قواصيها أو مترجميها ليكون شاهدا على أن القبض لم يتعد فيه الواجب، ولا سبب إهانة لحضرة المجرم، فإذا قبضت عليه سلمته إلى قنصليته لترى شأنها فيه، سواء أكانت الجناية واقعة من الجاني على أحد الأهالي أم على أحد الأجانب.
ولما كانت نزعات القنصليات ما عرفنا، وكانت محاكمة الجناة أمام أقرب محكمة من محاكم بلادهم الأصلية؛ وكان، من جهة أخرى، يصعب، بل يتعذر إقامة البينات على ارتكاب المتهم للجناية المعزوة إليه، في بلاد تبعد آلاف الأميال عن محل وقوعها، وفي محكمة يأبى شهود الواقعة السفر للمثول أمامها، وتأدية شهادتهم بين يديها، كانت النتيجة مائة في المائة، عادة، تبرئة ذلك الجاني، وعودته إلى القطر، وقد أصبح الخواجا ديمتري نيو بولو، مثلا، بعد أن كان سبيرو قسطندي؛ والخواجا مرتينو ڨيتش، بعد أن كان الخواجا يني؛ وأنه أصبح ذا لحية كثة، بعد أن كان حليقا؛ أو حليق الشارب، بعد أن كان يجدله كأنه عنترة زمانه أو أبو زيد الهلالي سلامة؛ كل هذا كان يجري في قطر عشرة في المائة، على الأقل، من التسعين ألف أجنبي أو يزيدون، المقيمين فيه، من أكبر الأشرار العائثين في الأرض فسادا.
فكانت الحال، إذا، لا تحتمل؛ وجديرة بأن لا يسكت عليها ذوو الاستقامة من الأجانب أنفسهم؛ فكيف بالحكومة المحلية، وقد بلغت الروح منها الترقوة في هذا الشأن، وعلا ضجيجها من الافتيات على حقوقها والإضرار بها وبرعاياها.
وكان (إسماعيل)، منذ جعلته كارثة كفر الزيات ولي عهد السدة المصرية، قد أقبل يتبحر في علم الحقوق عامة، وعلم الحقوق الدولية خاصة؛ واتخذ الأستاذ پيني معلما في ذلك، ومرشدا ومعينا، حتى أصبح يدري ما له وما عليه، يوم يقوم على منصة الأحكام، دراية تامة؛
2
فلم يكن والحالة هذه ليستطيع صبرا على تعدد السلطات القضائية والتنفيذية في بلاده، فأوعز إلى نوبار باشا، وزيره الحكيم، وأكثر رجال دولته ميلا إلى الأخذ بأسباب المدنية العصرية، وأعرفهم بأساليب السياسة الغربية؛ فوضع ذلك الوزير في سنة 1867 مذكرة لمولاه فصل فيها، بإفصاح ولهجة شديدة، عيوب ذلك النظام القضائي، وسوء تأثير مجاريه على نجاح البلاد وتقدمها المادي والأدبي معا؛ وبرهن على أنه عقبة في سبيل المصالح الأجنبية ذاتها، وفي سبيل استقدام أصحاب الكفاءة من الغربيين لتسليمهم زمام الأعمال والأشغال العمومية التي يحتاج فيها إلى علم وفن متخصصين، لا وجود لهما في دائرة البلاد المصرية.
فأما أنه عقبة في سبيل المصالح الأجنبية، فلأن الأخذ بمبدأ القانون الروماني القائل «إن المدعي يقاضي أمام المحكمة التابع لها المدعى عليه»، ولأن استئناف الأحكام القنصلية أمام المحاكم الغربية في بلاد القنصليات الغربية، موجبان لارتباك التقاضي، وضياع الحقوق، فيما يختص بالأجانب، كما أنهما موجبان ذلك فيما يختص بالأهالي سواء بسواء.
وأما أنه عقبة في سبيل استقدام ذوي الكفاءة من الغربيين، فلأن الحكومة المحلية - إزاء تحيز القنصليات لرعاياها، وأخذها بناصرهم، محقين كانوا أو على باطل؛ ولا سيما إزاء التجاء تلك القنصليات إلى الوسائل والمؤثرات السياسية في تنفيذ أحكام التضمينات الجائرة التي تصدرها؛ وعلى الأخص بعد العبر التي ألقى الماضي دروسها المرة عليها؛ وبعد أن لدغت من الحجر عينه أكثر من مائة مرة، مع أنه كان الأجدر بها أن تأخذ بقول النبي
صلى الله عليه وسلم : «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» - أصبحت لا تستطيع مطلقا استقدام أجنبي متخصص في علم أو فن، لتستخدمه في مصالحها، خوفا من أن يسيء استعمال سلاح المطالبة بتعويض وهو السلاح الموضوع في يده من ذلك النظام الجائر.
Bog aan la aqoon