250

Taariikhda Masar xilligii Khediw Ismaaciil Basha

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Noocyada

خامسا:

حق بناء سفن حربية، ما عدا المدرع منها؛ وبالاختصار حق تنظيم الإدارة المدنية والعسكرية والمالية في البلاد طبقا لما توجبه مقتضيات الأهالي الملقاة رعايتهم إلى عهدته.

أي أن هذا الفرمان توج سعي (إسماعيل) إلى نيل الاستقلال التام تتويجا نهائيا؛ وجعل قيد ارتباطه بتركيا كأنه غير موجود، وكيلا يفوت أحدا استمراء لذته؛ وللدلالة في الوقت عينه على الوسائل التي بذلت لاستصداره، رأى محرروه أن يختموه بالجملة الطبعية الآتية: «وعليك الانتباه والالتفات، أشد الانتباه والالتفات، إلى توريد المائة والخمسين ألف كيس المقررة، سنويا، إلى خزينتي السلطانية، بدون تأجيل، وبدقة تامة!»

على أن (إسماعيل) ما فتئ يمني نفسه بظروف من دهره تمكنه من التخلص، أيضا، من ذينك الانتباه والالتفات، وقطع تلك المائة والخمسين ألف كيس عن فم تركيا، لإنفاقها في شئون بلاده؛ وظن، قبيل نشوب الحرب بين روسيا وتركيا في سنة 1877، أنه قد يستطيع اغتنام فرصة الاضطراب الساري في جسم الدولة العثمانية على أثر خلع السلطان عبد العزيز وقتله؛ وخلع السلطان مراد الخامس وسجنه؛ وانعقاد مجلس المبعوثان وفضه؛ وتفاقم الخطب بين دولة القيصر ودولة الخاقان، تفاقما أدى إلى شبوب نيران الحرب واستعارها، ليعلن استقلاله وهو آمن طوارئ الحدثان.

فإن الملأ قد لاحظ في شتاء سنة 76-77 أن إقامة الجنرال إجناتييف الروسي طالت في العاصمة؛ وأن اجتماعاته بالخديو تعددت؛ وأن الأوقات المخصصة لها امتدت مرة عن مرة؛ ولاحظوا أيضا أن خطابات سرية تبودلت، بواسطة ذلك الروسي الشهير، بين بلاطي مصر وطهران، دون أن يعلم أحد بمضمونها سوى كاتبيها؛ وأن نيفا وستة آلاف جنيه أنفقت، هدايا، في سبيل المحافظة على سر تلك المكاتبة؛ وأن رغبة (إسماعيل) في أن تنكسر الدولة العثمانية لم تكن أمرا خفيا؛ وأنه لم يبعث المدد المصري الذي تحتمه الفرمانات إلا وهو ممتعض، وبعد أن تمنع عن إرساله تمنعا كبيرا.

33

وربما شجعه على تنفيذ تصميمه ما كان من حرج موقفه المالي، واشتداد وطأة الدائنين عليه، لتيقنه من أنه لو تمكن من الدخول ببلاده في مصاف الأمم المستقلة تمام الاستقلال، فقد يستطيع الاقتداء بتركيا عينها، والجمهوريات الأمريكية الصغرى وإشهار إفلاس حكومته بدون خوف أو وجل، وبدون أن يستطيع دائنوه أن يرفعوا فوق رأسه، بمعاضدة دولهم، السلاح المستمد من سيادة السلطان عليه ليهددوه به، أو يستعملوه ليعزلوه به عن عرشه!

ولكنه - إما لأن الجسارة الكافية للإقدام على ذلك العمل أعوزته في آخر لحظة؛ وإما لأنه توقع أن يكون الشر الناجم عنه أكبر من الخير المأمول منه؛ إما لأن مقاومة تركيا البطلية، غير المنتظرة من دولة كان الاعتقاد في وهنها التام راسخا في العقول، جعلته يوجس في بادئ أمره خيفة؛ فلما أسفرت النتائج الختامية عن سحقها النهائي بفضل تولي عبد الحميد إدارة رحى المعارك من أعماق قصره، كانت الفرصة المناسبة قد أفلتت؛ وإما لأنه، بعد التفكير والتقدير، لم يجد من نفسه القوة الكافية، لا سيما فيما لو تعقدت العواقب؛ أو لأسباب أخرى غير هذه كلها لا نزال نجهلها - فضل البقاء على حالته، وترك مناسبة تلك الحرب تمر بدون أن يغتنمها.

كل ما حصر رغبته فيه، بعد ذلك، إنما كان حمل الدول المجتمعة في مؤتمر برلين سنة 1878 على إدخال مصر ضمنها، أو إدراج مسألتها، على الأقل، ضمن مواد برنامج المباحثات، والبت في حالها السياسية، نهائيا، ليكون مركزها الجديد، منها ومن تركيا، مشمولا بضمانتها جميعا، فأوعز إلى عدة كتاب، أشهرهم برونسڨيك، بتناول الموضوع وبحثه، وحض الرأي العام الأوروبي على الأخذ به.

34

Bog aan la aqoon