216

Taariikhda Masar xilligii Khediw Ismaaciil Basha

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Noocyada

والسبب في حقده على عمه، عبد الحليم، هو أن هذا الأمير كان، في الواقع، يتطلع إلى الأريكة المصرية، ويرغب فيها؛ ولو أن هذه الرغبة لم تقترن بعمل عدائي لتحقيقها، ولكن مجرد وجودها في نفسه كفى لكي يتخذ الوشاة منها منبتا خصبا، ينمون فيه جراثيم البغضاء بين (إسماعيل) وبينه؛ ولم يعدموا الفرص الموافقة لذلك.

فنزول السلطان عبد العزيز ضيفا على حليم باشا في بستانه على ضفاف المحمودية بالإسكندرية، وفي قصره المنيف بشبرا، وتناوله طعام العشاء عنده في هذا المكان الأخير، والتعطفات التي ما فتئ يواليها عليه، طوال مدة إقامته بمصر - ولا شك في أنه إنما كان يرمي بها إلى جعل (إسماعيل) يشعر بأن عمه سيف معلق فوق رأسه، فيرعوي عن كل مطمع ضار بمصالح الدولة العثمانية - كل ذلك كان في أيدي الوشاة أشعة شمس استخدموها لإحياء تلك الجراثيم وتقوية نموها.

وكان حليم باشا، من جهة، يعيش معيشة تمتعية، غريبة المظاهر إلى حد يجعل لوشي الوشاة مجالا فسيحا، فقصره في شبرا كان، كما قلنا، بديعة البدائع، وجديرا بأن يثير عوامل الحسد في قلوب الحاسدين، ولو كانوا ملوكا؛ وعدد الحواشي والخدم، والجواري الحسان، والأتباع الذين كانوا تحت إشارة صاحبه في ذلك المقام الفخم، لم يكن من شأنه أن يروق من تابع في عين متبوعه؛ وخروجه، كثيرا، إلى الصيد، في أبهة وجلبة، تحييان ذكرى السلاطين المماليك السالفين، وتلفتان اهتمام السوقة في العاصمة وضواحيها؛ وإقدامه على الصيد بالسلوقية العديدة، والبزاة المدربة، كأن زمن العصور الوسطى لم ينزل إلى رمسه؛

5

وانضواؤه تحت راية الماسونية واهتمامه بأسرارها المكنونة اهتماما عاملا؛ وإضافه ذلك إلى كونه ابن (محمد علي) مباشرة، وإلى بدء انتشار الأقوال الشائعة بأن (إبراهيم) إنما كان ابن زوجة (محمد علي) من بعل غيره، لا ابن صلبه، وأن (محمد علي) إنما تبناه ورباه، فقط، كابنه

6 - وهو قول عار من الصحة بتاتا، وربما كان من اختلاقات أولئك الوشاة أنفسهم، نسبوه إلى حليم باشا، ليزيدوا في تعكير المياه التي كانوا يعملون بلا انقطاع على تعكيرها بين (إسماعيل) وعمه، بأنواع الوسائل كافة - كل ذلك كان مادة جيدة لأن تضفر منه أكاليل شوك، توضع تحت وسادة الأمير المتولي؛ فتخزه وخزا أليما، وتجعل نومه قلقا مضطربا، فتحمله على كراهة عمه، والتخوف منه، تخوفا زائدا.

ولما كان الإقدام على الإثم في الأسرات الشرقية لا يزال يتلو بسرعة ساعة التفكر في المنفعة التي تعود على مرتكبيه من ارتكابه، فإن تخوف (إسماعيل) من أخيه وعمه كان على قدر الفائدة التي يرجوها كل منهما من وراء موته.

فكان إذا من مصلحة (إسماعيل) أن يقضي على تلك الفائدة القضاء المبرم، بعمل يجتث من قلبي ذينك الأميرين كل جذور الأمل في أن موته يوجب ارتقاء أحدهما إلى العرش مكانه.

وأما الحب، فلبلاده أكثر منه لأولاده ونفسه.

وذلك لأن أيلولة الملك من الولد البكر في الأسرة الواحدة من شأنها أن توحد بين مصالح الأمير ومصالح الرعية؛ فلا تعود همة الأمير منصرفة، كما كانت، إلى إنماء ثروته الشخصية وثروة أسرته على أكتاف الثروة العمومية وثروة فروع الأسرة الأخرى. (فعباس الأول)، مثلا، إنما أراد مصادرة أملاك باقي أعضاء عائلته والاستيلاء على أموالهم لكي يجعل مستقبل ولده (إلهامي) - ولو لم تؤل إليه الإمارة - سعيدا، أكثر من كل واحد منهم - ولو قدر لأحدهم أن يخلفه على العرش - وإنما صادر، لهذا الغرض عينه، أملاك رعاياه، واغتصب أموالهم: فترك لابنه المذكور ما يزيد على ثمانين مليونا من الفرنكات من الثرورة المنقولة غير الثروة العقارية.

Bog aan la aqoon