Taariikhda Masar xilligii Khediw Ismaaciil Basha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Noocyada
ثم استدعى قواده، وقص عليهم ما دار بينه وبين صديقه دي لسبس من الكلام، وسألهم رأيهم؛ فتذكروا ما رأوا من فروسية ذلك الفرنساوي، ولما كانت عقليتهم تقربهم، كقول دي لسبس عينه، إلى تقدير رجل يحسن ركوب الخيل ويجيد الوثب فوق الكثب والحفر، أكثر منها إلى تقدير رجل عالم متعلم،
9
فإنهم فتحوا أعينهم، واسعة، للدلالة على فهمهم؛ وهزوا رءوسهم مرارا، للدلالة على استحسانهم؛ وقالوا بإجماع بعدم جواز رفض طلب يقدمه مثل ذلك الصديق، فثبتت موافقتهم (سعيدا) في عزمه.
وفي اليوم الخامس والعشرين من شهر نوفمبر سنة 1854 - وكان الأمير قد بلغ العاصمة بجنده، ومدعويه، وأنزل دي لسبس صديقه في قصر المسافرين، وهو الذي كان مخصصا في أيام الحملة الفرنساوية لاجتماع أعضاء لجنة القناة فيه تحت رياسة لپير البادي ذكره، فتأمل غرائب الصدف، ومحاسنها! - استدعى (سعيد) فردينند دي لسبس إلى القلعة، بدون أن يقول له لماذا؛ وهناك في مجتمع من القناصل العامة والوجهاء المزدحمين لتهنئة الأمير بسلامة الوصول، أعلن، على رءوس الأشهاد، الوعد الذي صدر منه لدي لسبس صديقه، وأكد عزمه على منح امتياز له بتأسيس شركة مساهمة عالمية، لإبراز المشروع إلى حيز الوجود.
10
وأعقب قوله بالعمل؛ ومنحه بعد خمسة أيام في 30 نوفمبر سنة 1854 الامتياز الموعود به؛ وكلف مهندسي حكومته، لينان بك وموچيل بك، بالذهاب معه إلى البرزخ، ودرس طبيعة أرضه، وفحص مسألة إنشاء الترعة المرغوبة فيه، ورفع تقرير واف له عن كل ما يتبينانه.
فذهب المهندسان في الشهر التالي، وأقاما هناك أياما، مع دي لسبس، يدرسان الموضوع درسا تاما، وقر رأيهما نهائيا على أن تنشأ ترعة مستقيمة، تجتاز البرزخ في جهته الأقل اتساعا؛ أي: ما بين پيلوزيم (الفرمة) على البحر الأبيض، والسويس على البحر الأحمر.
ثم جمع دي لسبس مائة من أصدقائه، وحملهم على أن يكتتب كل منهم بحصة ثمنها خمسة آلاف فرنك - ولا شك في أنها تساوي الآن مليونين من الفرنكات على الأقل - واستخدم المبلغ المجموع لاستقدام لجنة هندسية دولية مشكلة من سبعة من المهندسين: هولندي، وإنجليزي، وبروسياني، وإسباني، ونمساوي، وإيطالي، وفرنساوي؛ ومن عدة بحارة فرنساويين وإنجليز؛ ومن مهندس هدروغرافي تابع للبحرية الفرنساوية، طلب إليها أن تدرس المشروع، وتطلع على التقرير الذي وضعه لينان بك وموچيل بك.
فذهب رجال تلك اللجنة، بادئ بدء، إلى البرزخ، ليقفوا بأنفسهم على الأماكن التي قرر أن تجتازها الترعة؛ وكان برفقتهم فردينند دي لسبس والمسيو برتيليمي سنت ايلير، المنتخب سكرتيرا عاما للمشروع؛ وقد كتب عن مصر في ذلك العهد عدة كتابات رجعنا إليها أحيانا في مؤلفنا هذا.
وبعد إجراء عمليات هندسية وأبحاث توبوغرافية ومقاسات بارومترية قررت تلك اللجنة أن سطح البحرين واحد؛ وأظهرت أسباب الغلط الذي وقع فيه ليپير بذهابه إلى أن منسوب البحر الأحمر أعلى من منسوب البحر الأبيض بكثير؛ وأثبتت أن أرض البرزخ التي ستجتازها الترعة، أرض ثابتة، يغلب فيها الخزف إلى عمق ما، لا أرض رمال متموجة تهدد كل حفر بطمر، كما قال بعض مسفهي أحلام الراغبين في حفر تلك الترعة؛ وأثبتت أيضا، أن لا خوف على منفذ الترعة في البحر الأبيض من تكاثر أوحال طمي النيل، حوله: (أولا) لعدم سير تلك الأوحال جهة المنفذ المنوي إيجاده؛ و(ثانيا) لوجوب ذوبانها حتما في مياه البحر على فرض سيرها نحوه.
Bog aan la aqoon