184

Taariikhda Masar xilligii Khediw Ismaaciil Basha

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Noocyada

فضرب (إسماعيل) أخماسا في أسداس، لما رأى رغائبه يعاكس تحقيقها خصومها وأصدقاؤها؛ واضطر إلى تعويض عموم أصحاب الأرقاء الذين حررهم ذلك المتولي بدون حق؛ كما أنه اضطر إلى تضييق سلطة القناصل وإشراك الهيئات المحلية الحاكمة معهم في تحقيق الشكاوى التي يقدمها الأرقاء ضد مواليهم.

ولشعوره باضطراب الرأي العام حوله، بحق، بسبب التطرف الذي حصل من العنصر الأجنبي، كلف نوبار باشا، وزير خارجيته، فكتب إلى قنصل إنجلترا العام كتابا أذيع للملأ، أوقفه فيه على حقيقة نيات الخديو، وذكره «بأن الدول الأجنبية لا سيما إنجلترا، لما حررت الأرقاء عوضت أصحابهم؛ وأن الخديو، بصفته أميرا مسلما، لم يمكنه، فيما أصدر من أوامر متعلقة بتحرير الأرقاء، أن ينسى أن واجب عرشه يقضي عليه بحماية ما يقره الدين، وتوجب العادات والتقاليد القومية احترامه، ولذلك اقتضت إرادته أن يحرر المساءة معاملتهم من الأرقاء لا كل من طلب العتق منهم».

31

والذي زاد في امتعاض (إسماعيل) في هذا الشأن، هو أن الغربيين أنفسهم الذين كانت بلادهم وحضارتها تطالبه بإلحاح بالعمل على إبطال النخاسة والرق في بلاده، كانوا أكبر عقبة تصادفها مساعيه المبذولة في السبيل الموصل إلى ذلك بما كانت امتيازاتهم تضمن لهم من سلامة في متاجرهم غير الجائزة، وتحميهم من عقاب في إقدامهم على مخالفة أوامره؛ وقد أظهر امتعاضه هذا بقوة لهجة يعجب بها، فيما أجاب به، بلندن، رجال وفد الجمعيات الإنجليزية والفرنساوية لمقاومة النخاسة والرق، الذين اغتنموا فرصة وجوده في تلك العاصمة في سنة 1867، وطلبوا مقابلته ليرفعوا إليه رغبة تلك الجمعيات في أن يحقق خديو مصر أمنية الحضارة الغربية، وأمل الإنسانية الراقية فيه.

فإنه أذن لنوبار باشا بإدخالهم عليه، والقيام بأمر الترجمة بينه وبينهم، عملا بمقتضيات الرسميات، ولو أن (إسماعيل) كان يتكلم الفرنساوية كأحسن متكلم بها فيهم، فقابلهم بلطفه المعهود الخلاب، الذي كان يسحر به كل من يحادثه، فيميل بعواطفه إليه كيفما شاء، وقال لهم بالتركية، فترجم نوبار كلامه بالفرنساوية: «إنه منشرح تمام الانشراح لمقابلة حضرات أعضاء الوفد، بصفتهم نوابا عن الجمعيات الإنسانية الموقرة العاملة على إبطال النخاسة والرق؛ لأنه، هو نفسه، يرغب جدا في إبطالهما، واتخذ أقوى الوسائل لذلك، ولكنه يرى بالأسف، أنه إذا كان في وسعه أن يرغم شعبه على الامتثال لأوامره بالرغم مما في الامتثال لها في موضوع الإقلاع عن النخاسة والرق، من مضاضة على نفوسهم وإضرار بمصالحهم، ومخالفة لتقاليدهم، فإنه لا يستطيع عملا مطلقا ضد الأوروبيين أنفسهم، المقيمين في بلاده، والذين هم أكبر المجرمين، فإنهم يتجرون بالعاج وريش النعام والصمغ، اسما وحجة، ولكنهم في الحقيقة إنما يتجرون بالرقيق في مراكبهم النازلة في النيل، فلو أن تلك المراكب لا راية لها، أو كانت الراية المصرية هي الخافقة عليها، لأمكن تفتيشها: فإذا وجد فيها رقيق صودرت وضبطت، فأعتق الأرقاء وعوقب المجرمون، كما وقع في بحر الستة الأشهر الأخيرة من السنة الماضية، فإن كومندانا وأميرالا مصريين رميا بالرصاص، لإقدامها على مخالفة أوامره، ومساعدة النخاسة وتهريب الرقيق، ولكن المراكب الآتية برقيق ترفع، عادة، راية إحدى الدول الغربية، لكون أصحابها أوروبيين، فإذا تعرض لها رجال حكومته ونشأ بينهم وبين أصحابها جدال بخصوص المشحون والحمولة البشريين، فالجواب المفحم هو أن الرجال نوتية والنساء أزواجهم أو سراريهم، والصغار أولادهم، فتغل، بذلك، أيدي السلطة المصرية. ألا فليعلموا أن النفوذ الأوروبي، في مدة السنين الثلاثين الأخيرة، قد غير مصر تغييرا كليا، فلو كانت الحكومة المصرية حرة في معاملة النخاسين الأوروبيين معاملتها للنخاسين الخاضعين لسلطانها، لبطلت النخاسة، وبطل بالتالي الرق بعد مدة يسيرة، ولكن حكومته غير حرة في ذلك، والواجب يقضي أن تمنحه الدول الأروبية السلطة الكافية لاستعمال حق التفتيش في المراكب التي تخفق عليها راية غربية. أما إبطال الرق، فمسألة أخرى، فالرق موجود في القطر منذ نيف و1283 سنة، ويكاد يكون ممزوجا بدينه، ولا شك في أنه نظام فظيع، ويود، هو، إبطاله: لأن المدنية والرق بمصر يستدعيان ذلك، ولكنه لا يتيسر عمل هذا في يوم واحد. على أنه لو بطلت النخاسة، بطل الرق في ظرف 15 أو 20 سنة على الأكثر، أو لما بقي إلا أثر قليل منه، فرأيه، والحالة هذه، مخالف لرأي حضرات زائريه؛ لأنه يعتقد أن النخاسة أس الرق في بلاده، وأنه يجب إبطالها، لكي يمكن إبطاله؛ فإلغاء القنصلية البريطانية في الخرطوم، مثلا، مكنه من العمل ضد النخاسين بنجاح؛ ولذا فإن الطريقة الوحيدة الفعالة في معاملة التجارة الرقية هي أن تسلحه الدول الغربية بسلطة منع الأوروبيين من الإقدام عليها، ومباشرتها».

32

ولكن امتعاض (إسماعيل) من النخاسين الغربيين لم يكن ليقعد بهمته عن تتميم مشروع إبطال النخاسة والرق الذي وطن نفسه على نفاذه؛ لأنه كان يعلم أنه بمثابة حجر الزاوية من بناء الحضارة الغربية الذي صمم على إقامته في البلاد؛ وأنه إن أهمله فقد ينهار ذلك البناء بكيفية لا يعود معها من سبيل إعادة الكرة ومحاولة تشييده.

وهو - ولو أنه بعامل تربيته العائلية الأولى، وتأثير منبته الأصلي - كان مكثرا من اقتناء الحسان من الجواري على الأخص، والجواري على العموم، حتى لقد قال بعضهم: إن سراياته كانت تحتوي على ألفي جارية؛ وإنه كان شديد الحرص عليهن، لا يسمح لأحد برؤيتهن، ويعاقب أشد العقاب حتى من تجاسر على استراق النظر إليهن.

33

إلا أنه كان مقتنعا بأن تقلبات الأيام كانت قد بلغت بمصر في عهده إلى موقف لم يعد معه بد لحياتها القومية من أن تحل في جسمها الحضارة الغربية محل الروح القديم؛ وإلا تفككت وانحلت كما يتفكك وينحل الجسم الهرم، القائمة فيه روح هرمة، وكان يعتقد أن أهم مميزات الحضارة الغربية إنما هي علاقة المرأة الغربية بالرجل، ومركزها في الحياة العائلية منه؛ وهما علاقة ومركز نجما، حتما، عما يعتقده الرأي العام الأدبي الغربي في وظيفة المرأة في الوجود، فبينما الحضارات، التي دالت، كانت تعتبر المرأة متاعا، ومتى كانت تحسن الرأي فيها تعتبرها آلة تناسل؛ أي: أم أولاد، فإن الحضارة الغربية الحديثة أبت عليها إلا أن تكون رفيقة الرجل وشريكته في حياته، تشاطره أتعابها وهمومها؛ وأفراحها ولذاتها، فدعتها، لذلك، قرينته؛ أي: المرتبطة به، ارتباط الند بالند، بينما الحضارات الأخرى كانت تدعوها «حرمه» أي «متاعه» و«الشيء الخاص به المحرم على غيره»، فكان يود، إذا، إبطال الرق، ليتوصل من إبطاله إلى إبطال حياة الحريم، وجعل المرأة بالتربية الجديدة، التي تعطى لها في المدارس الحديثة، رفيقة الرجل وشريكته في حياته؛ أي: جسم جسمه، وروح روحه.

Bog aan la aqoon