Taariikhda Masar xilligii Khediw Ismaaciil Basha

Ilyaas Ayyuubi d. 1346 AH
142

Taariikhda Masar xilligii Khediw Ismaaciil Basha

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Noocyada

فراتب باشا، مؤسس رواق الحنفية في الأزهر، أنشأ بالثغر الإسكندري، مدرسته المجانية المشهورة، وحبس عليها أوقافا، وأجرى أرزاقا تكفل بقاءها إلى ما شاء الله، فأمها، حين نشأتها، نيف وستون طالبا؛ ولكن عددهم ما فتئ يتزايد حتى جاوز المائة، وقد كانوا يتعلمون فيها، في مبدأ الأمر - أسوة بالمدرسة المؤسسة من الأوقاف في الثغر عينه، والحاوية مائة طالب - القرآن، والعربية، والتركية، والحساب، ثم تطورت الأيام، فأضيف إلى تعليم ذلك الفرنساوية؛ وما لبثت تقلبات الزمان أن ذهبت بالتركية أدراج الرياح؛ ثم ذهبت بالفرنساوية أيضا، وأحلت الإنجليزية محلهما معا.

أما مدرسة السيوفية للبنات، فقد كانت الأولى من نوعها في العالم الإسلامي. أنشأتها الأميرة تشسما آفت خانم أفندي زوجة (إسماعيل) الثالثة، بإيعاز وتشجيع فعلي من بعلها الجليل، على نفقتها الخاصة، وبشجاعة أدبية نادرة؛ لاعتبار العالم الإسلامي عملها هذا بدعة غير ممدوحة.

نعم إنه كان في البلاد مدارس للبنات، أسستها الأخويات والإرساليات المسيحية، والطوائف غير الإسلامية، والجاليات الغربية، كما سيأتي بيان ذلك، وكانت بعض بنات المسلمين تؤمها؛ ولكن الرأي العام الإسلامي لم يكن راضيا عنها؛ وكان وجوه القوم وكل من يظن في نفسه أنه ذو حيثية يأنف من إرسال بناته إليها لمخالفة ذلك للعادات المتبعة، مخالفة تنفر الشعور والأوهام المسلم بها بدون مناقشة.

وقد كان ذلك الرأي العام شديد التأثير إلى درجة أن (محمد علي) الكبير - الذي لم يكن لينحني بسهولة أمام ضجته، ولا يهاب سخطه - أبى الموافقة على ما أشار به مجلس معارفه الأعلى، المتشرب بالمبادئ الغربية، والمقتنع بعظم تأثير المرأة المتعلمة في الهيئة الاجتماعية، من وجوب تعليم البنات، وإنشاء مدارس لهن، أسوة بمدارس الصبيان؛ واكتفى بتعليم بنات أسرته وجواريهن على يد المسز ليدر زوجة أحد مبشري الإنجليز، التي أنشأت في سنة 1835 أول مدرسة إفرنجية للبنات في القطر المصري؛ بتشجيع من تلميذتها الخانم بنت (محمد علي) الكبرى، زوجة محرم بك أمير الأسطول المصري، ومحافظ ثغر الإسكندرية، المسمى باسمه الحي الكبير المشهور في هذه المدينة.

ولما كان الناس - لا سيما الكبراء - على دين ملوكهم، اقتدى بالعزيز الذوات والوجوه، وبدأت تنتشر في البلاد عادة استخدام السراة معلمات أجنبيات، لتهذيب بناتهم، وتثقيف عقولهن.

غير أن (محمد علي) لم يكن بالرجل الذي يهمل، بتاتا، أمرا يعتقده هاما ومفيدا، لمجرد مخالفته للرأي العام؛ وإذا لم يكن يرى صلاحية نفاذه وإجرائه مباشرة، كان ينفذه من وجه غير محسوس.

فلكي يهز جمود الأمة عن تربية بناتها، هزا يوقظها من نومها، أتاها من طريق سوي؛ وأنشأ بمساعدة كلوت بك، مدرسة قابلات؛ كانت كل تلميذاتها، في بادئ الأمر، عشر جواري حبشيات من سراي الخاصة، ولما لم يكن الرأي العام يرى في الأمر بأسا بل يرى بالعكس تعليم النساء فن القبالة شيئا مستحبا؛ ورأى القوم، بعد ذلك من عمل تلك الجواري عقب خروجهن من المدرسة، ما نهض بهن إلى مقام محمود وأغنى الأسرات التي طلبت مساعدتهن، عن عمل الجاهلات من القوابل، طفق الفقراء يرسلون بناتهم إلى مدرسة كلوت بك بالقصر العيني، حتى توطدت دعائمها، وباتت مع مضي الزمان، من المنشئات الثابتة، التي لا يخشى انهيارها، وآلت النظارة عليها في أيام (إسماعيل) إلى مدام ڨيال، فغصت مقاعدها بأربع وأربعين طالبة داخلية، وعشر خارجيات؛ والذي كان يلفت منها الأنظار هو أن جميع تلك الصبايا كن يتلقن العلوم، وهن مكشوفات الرءوس، لا طرح عليها، كأنهن غربيات: لا شرقيات، بدون أن ينفر ذلك أحدا من الزائرين - إلى مثل هذا الحد يتغلب الشعور بالمصلحة على الشعور بالعادات الموروثة!

ولم تكن المتخرجات من تلك المدرسة قوابل فقط، بل كن طبيبات أيضا، انتشرن بمصر، والإسكندرية، وبرزخ السويس، ودمياط، ورشيد، والمديريات الأربع عشرة، انتشار ملائك الرحمة، يخففن البؤس عن المريضات، ويواسين العليلات، فمهد ذلك السبيل إلى تعليم البنات وكسر من حدة الشعور العام النافر من تعليمهن.

وكان (إسماعيل) الراغب في إطلاق بلاده في مضمار الحضارة الغربية، بهمة تكاد تكون عنفا، لاعتقاده أن لا سلامة لها إلا بجريها شوطها الطبيعي فيه، يقظا كل اليقظة للصغيرة قبل الكبيرة من تحركات الرأي العام فيها، فلم يفته الالتفات إلى تزحزحه القليل عن مقره، وعزم حالا، على اغتنامها فرصة، لتنفيذ أمنيته في التعليم العام كانت من أعز أماني قلبه، ولعلمه بما انطوت عليه النفوس لا سيما الجاهلة، من إحاطة أجل المشاريع نفعا بسحابة من ريب وظنون؛ ولرغبته في أن تقوم، مقام تلك السحابة، هالة من الشعر ساطعة السنا، أوعز إلى ثالثة زوجاته، الأميرة تشسما آفت خانم بأن تكون أول مدرسة إسلامية تفتح في القطر المصري لتعليم البنات على الطريقة الغربية شعاعا من أشعة شمسها.

فاشترت الأميرة سراي قديمة بالسيوفية، وهي حي من أكثر أحياء العاصمة سكانا وجددت بناءها، فصيرتها مدرسة، وفتحت أبوابها للطالبات في ربيع سنة 1873 وهي السنة التي أشرقت على البلاد بأفراح الأعياد التي أقيمت لتزويج الأمراء الثلاثة توفيق وحسين وحسن، أبناء (إسماعيل) الكبار.

Bog aan la aqoon