Masar Fi Thuluthi Qarn
مصر في ثلثي قرن
Noocyada
وله التصديق فيما قال:
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين .
هذه «مقالات» أنشرها متضامة بين هاتين الدفتين - وقد نشرها «وادي النيل» متفرقة - ولست أزعم أنها كل ما يؤدي به الكتاب المصري فرض البيان والإرشاد لأمته في وقت شدتها، وحين ثورة آمالها العظمى، ولكني أزعم أنها مرآة عسى أن تحملها اليد فلا تضعها، وتسرح فيها العين فلا تنتقل عنها إلا عند ختامها، أرجو أن نكون كذلك، لا لشيء، إلا أن بها صورة صغرى من صور الماضي، تنبئ النفس بعجره وبجره، وتصدم الأذن والعين بوضره ودفره. وإني لأعلم أنها صورة مؤلمة، ولكني كذلك أردت، وكذلك أريد، فإن الآلام تحيي من القلوب ما أماتته الغفلة.
ولعلنا ندرك أن الأمنية التي يطلبها كل مصري الآن لأمته ونفسه، لم تعد مطلوبة كما تطلب اللذات المعنوية، لعلنا لا نطلب الاستقلال التام لنتمتع بلذة الشعور المعنوي بأننا مستقلون، فقد عظم الأمر حتى تجاوز المعنويات فصارت الأمنية، أمنية الحياة، حياة المصريين في هذا العصر، وحياة أبنائهم إلى الأبد.
ولئن لم يبلغ الأمر تمامه لحقت على أصحابه كلمة الشقاء السرمد، اللهم إن أحببتنا فهيئ لنا المصير الذي لا نريده غيره، فإن سبق منا التفريط فيما نحب وكان جزاؤنا عندك أن يسبق منك القضاء بما نكره، فاقبضنا إليك، وضمنا إلى جوارك، ولكن الله أرحم من أن يخذل مجاهدا في حق مسلوب، والله مع الصابرين.
المقدمة
انظر في تاريخ مصر الحديث، منذ بدأت نهضتها التي وافقت أعظم نهضات الأمم نشأة وغاية؛ تجد في صفحاته وبين سطوره بثورا كبثور المرض الجلدي، ثم تبينها وقل بعد ذلك: أليست هي فقاقيع تملؤها جراثيم السياسة الغادرة؟
في الوقت الذي ثارت فيه فرنسا ثورتها الكبرى، فدكت صرح الظلم، ومزقت حجب الجهالة، وأطلعت شمس حريتها لتستقبل حياتها طيبة، في ذلك الوقت بعينه كان محمد علي يخطو بمصر خطوات الجبار الذي يرمي ببصره إلى غاية يأبى إلا أن يدركها، وقد لا تجد تناسبا بين أمة جاءها رجل واحد فوكزها لتصحو ثم ساقها لتتقدم، وأمة أخرى وقف الموت بروحها بين شفتيها فجمعت من اليأس قوة أطفأت نار الظلم ودقت عنقه.
قد لا تجد تناسبا بين الأمة المصرية يوم جاءها محمد علي حاكما مطلقا يوقظها من النوم ويرفعها من الضعة، والأمة الفرنسوية يوم ثارت بنفسها تذيب قيود الاستبداد وأغلاله بنار الحقد والضغينة، ولكن محمد علي كان زارعا جديدا، وكان طامعا في ملك عريض ومجد باذخ، فلا عجب أن يكون همه أن يبني الملك العظيم في شعب له من عظمة المجد التاريخي ما ليس لغيره.
وكأنما كان محمد علي يريد أن يكتب بيده صفحة تاريخه فلا يدع بين سطورها مكانا يكتب فيه: إن هذا الجندي الألباني الصغير لم يكن وارث الملوك، ولا ربيب العروش فكيف لا تصيبه الخيبة كما أصابت كثيرين غيره خرجوا من دهماء العامة يطمعون في العرش والتاج. كأنما كان هذا الجندي يريد أن تضيق سطور تاريخه عن أن تسع مثل هذه الوصمة، فكتب صفحته بيده، وأبى أن تغلبه الحوادث على أمره، فبلغ ما أراد على كره من الأيام.
Bog aan la aqoon