Masar Fi Thuluthi Qarn
مصر في ثلثي قرن
Noocyada
وعرفت قوة الرأي العام المصري في الحرب الأولى التي نشبت بين الدولة العلية واليونان، فقد كانت مصر تغلي بأحر مما تغلي به تركيا نفسها، ولم يكن ذلك لأنها تريد أن تظفر تركيا فتقوى على مسخ الاستقلال المصري، بل لأن السيادة الاسمية العثمانية كانت هي الصخرة الصلبة أمام القضاء على هذا الاستقلال وكانت الأمة تعلم ذلك، وتعلم أن في قوة تركيا بقاء هذه الصخرة حتى يزيلها المصريون أنفسهم، أو يزيلها غيرهم ممن لا يطمعون في أن يضعوا مكانها صخرة أقسى منها.
وعرفت قوة الرأي العام المصري في حادثة العقبة، وكان غليانه إذ ذاك استمساكا بتلك السيادة الاسمية خشية أن ينقطع خيطها فترزح الأمة بسيادة فعلية تذهب باستقلالها الداخلي، وتضاعف عناءها في طلب الاستقلال التام.
وعرفت قوة الرأي العام المصري في حادثة المحكمة الشرعية العليا يوم أغلقها قاضيها حتى ترفع يد العبث بالأحكام القضائية، فكان رأي الأمة عضده القوي.
وعرفت قوة الرأي العام المصري يوم نكب العدل وفجعت الإنسانية بحادثة «دنشواي» سنة 1906 فثارت النقمة على الجبروت المتمرد في كل دار، وارتفع صوت الغضب حتى أطبق على الأقطار وحتى سجلت الوصمة على أصحابها، وخرج العدل مرفوع الرأس، وظفرت الأمة بما شهد الناس من حياتها، وإن لم يكن ذلك كله قد رد عليها فائتا، ولا أحيا ميتا.
عرفت قوة الرأي العام المصري منذ تولى محمد علي ولاية مصر وفي كل ما قدمنا من الحوادث وغيرها مما تعاقب بعدها ولم يزل ناميا قويا ، يتجلى في كل مواقفه المشهودة ليدل الناس على أن الأمة لا تهن عن تفرق، ولا تؤخذ لجهالة، ولا تغلب افتقارا لأهلية الاستقلال.
كان الرأي العام المصري يقظا شديدا؛ لأنه كان ولم يزل معتزا بالعدل، مؤيدا بالحق، فلم يكن يخشى أن تكون له شدة في طلب الحق، وصلابة في إقامة العدل.
وفيما بين هذه السنة التي نحن بها وسنة 1906 كان شأن الرأي العام المصري عظيما؛ فقد عز جانبه، ورسخت قدمه، وبلغ من القوة مكانة الرأي العام في أعز الأمم جانبا وأرفعها مكانا.
ألحت الكوارث على الأمة من كل ناحية فكانت كالمطر الغداق يسيل على المرتفعات والآكام كما يسيل في الأغوار والأودية، ولكن هذه الكوارث كانت تعطي الرأي العام قوة بدل الضعف وتزيده نورا بدل الظلام، لم يهب أن تلح الكوارث عليه، بل سار تحتها وهي مرعدة مبرقة، فخلص بقوته الروحية وبقوة الحق الذي في يده إلى أعمدة الجبروت فهزها.
هل ارتعدت الأمة بكوارث الأيام فلم تظهر شديدة في حقها إلى اليوم، فماذا يراد أن يكون من أمة هذه حياتها؟
إنا نحن ذلك الجنس الذي قال المسيو كليمانصو فيه سنة 1882: «أما الجنس الذي هو أهل للعمل والنظام - يريد الجنس المصري - فسيحيا حتما؛ فإن كل أمة عاملة سينقذها العمل منقذ كل عامل».
Bog aan la aqoon