Masar Fi Thuluthi Qarn
مصر في ثلثي قرن
Noocyada
هوامش
الفصل الرابع
روح الأمة
«إن الأمم التي بلغت فيها همة الإنسان منتهاها هي ملجأ الحياة الأدبية الصحيحة حيث تثبت الأخلاق وتبقى المحامد»
إدمون دي مولان
هناك مقياس للحياة غير الثروة والعلم والنشاط في طلبهما، وهذا المقياس هو روح الأمة.
إن المصباح يرسل نوره ضعيفا أو قويا، ولكن العين توحي لصاحبها سبب ضعفه وقوته، توحي له أنها ترى شيئا مكنونا هو زيت المصباح، وأنه يضيء على قدره، فلو أن أمة كانت أمينة على خزائن الأرض، قائمة على بيوت الحكمة والعلم، ثم لم يكن روحها ذا نور ساطع يدل الناس عليهما لما أغناها العلم والمال أن تلتمس وسيلة يرى الناس في مرآتها جمال الكرامة، وجلال الإباء وعزة النفس، وعظمة الرأي والعمل. وإن مكان الأمة المصرية من هذه المنزلة ليس منكورا، فهو في مثل ضوء الشمس وضوحا والعالم المبصر لا ينكر ما ينكره الأعمى.
مضى عهد غير قصير وقفت فيه مصر موقف السلم الظاهر، ولكنها طوت هذا الزمن كله تحارب الحوادث وتنازل الأيام، ولم تتقلد سلاحا إلا بقية عزم صادق وأنفة صحيحة ويقظة دائمة وعقل يكشف لها عن أفانين الخطط التي يبتدعها الدهر. ولا يقول أحد إن مصر المجاهدة خرجت مقهورة في معركة من معاركها السلمية الدائمة؛ ذلك بأن روحها سليم لم تمرضه الأيام، طاهر لم تدنسه الحوادث، مصقول الجوهر، ينتفع بما يضر، ويهتدي بما يضل.
ما كانت الأمة المصرية قبل العهد الأخير مخلوقات صورية تقبل كل روح ينفخ فيها، ولكنها كانت شعبا تام الخلق، نامي الجسد والروح، ممتازا بخصائصه ومقوماته، كانت شعبا مدركا أين هو من الوجود وأين يستحق أن يكون موقفه بين الشعوب، وكان لا بد لهذه الأمة أن تكون كذلك؛ إذ لم تجهل من تاريخها القديم أن لها على العالم حق الأستاذ على التلميذ، فلا أقل من أن تنال المساواة لغيرها وفاء ببعض هذا الحق، ولا جهلت من تاريخها الحديث أنها تعلمت حتى جعلت تزاحم غيرها، وأثرت حتى جعلت تبلغ الأقطار القاصية بتجارتها وغلاتها ومصنوعاتها، وقويت حتى أخضعت الأشداء وأخافت الأقوياء.
قال المسيو «تييرس» وزير خارجية فرنسا في كتاب إلى المسيو «جيزو» سفير فرنسا في لندن: «إن الباشا - محمد علي - قادر أن يشعل نار الحرب لأي تهديد يقع، أو حصار يحدث، أو أي عمل آخر، فخذ حذرك من ذلك، وأيقن أن محمد علي يجتاز جبال طوروس، ويلقي أوربا في هاوية الخطر إذا هوجمت الإسكندرية أو أية جهة من جهات القطر المصري الهائجة أو التي توشك أن تهيج».
Bog aan la aqoon