Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Noocyada
وأما عن خطة الحملة السياسية، فقد استند الباشا على مهارة وكلائه الذين يوفدهم إلى معسكر البكوات يحملون عروضه الجديدة، في إيقاع الشقاق بينهم، وجذب فريق منهم إلى الصلح معه، ثم اعتمد على نجاح عملياته العسكرية - إذا قدر لها النجاح - في تطويع فريق آخر منهم، وحملهم على الحضور إلى القاهرة مستأمنين تحت رعايته في هدوء وسلام.
ومنذ أواخر مايو 1810 بدأ وضع هذه الخطة المزدوجة موضع التنفيذ، فقد صدر الأمر للجند في 4 يونيو بالخروج، فسعى هؤلاء بالجد والعجلة في قضاء أشغالهم ولوازمهم، وفي 8 يونيو أقام حسن باشا معسكره بناحية الآثار (أثر النبي)، «وخرج أيضا محو بك بعسكره وطوائفه ومعهم بيارق، وسافر جملة عساكر في المراكب ليرابطوا في البنادر، وكانت هذه خالية ليس بها أحد من أجناد البكوات، واستمر خروج الجند في الأيام التالية، وأشرف الباشا على الحركة، فصار يحضر من الجيزة إلى القاهرة لمراقبة خروج الجند، ولملاحظة الأمن بها؛ خوفا من أن يتصل البكوات بأنصار لهم فيها، وللحيلولة دون تهريب الأسلحة والذخائر والعتاد إليهم، وكاد يقع تحت طائلة العقوبة بتهمة إمداد البكوات بالأسلحة وما إليها أحد تجار القاهرة المعروفين السيد سلامة البخاري وأخوه وابن أخيه، لولا اتضاح براءتهم للباشا مما نسب إليهم.»
ولما استكمل حسن باشا استعداداته نزل مع جنده في النهر وبدأ زحفه صوب الصعيد، وانسحب البكوات من دهشور إلى الرقق، ثم إلى ناحية صول والبرنبل؛ حيث أقاموا أمام «صول» خطا طويلا من التحصينات (أو المتاريس)، ونصبوا بطارية من ستة مدافع، لوقف تقدم الجيش الزاحف، وكان على قيادة هذا الجيش كذلك صالح قوج، وعابدين بك، وطبوز أوغلي، ولم يكن في تعليمات حسن باشا ما يجيز له الالتحام مع البكوات في معركة كبيرة، بل الاكتفاء بمناوشتهم ومطاردتهم، على ألا يصرفه هذا عن تحقيق الهدف الرئيسي من حملته، وهو الاستيلاء على المراكز المنيعة بالصعيد، ولكن مقاومة البكوات الشديدة لزحفه عند صول والبرنبل، اضطرته إلى إنزال جنده الأرنئود إلى البر لمناجزتهم، فكانت أول معركة كبيرة بين جيشي محمد علي والبكوات.
فقد شن عليهم حسن باشا هجوما كبيرا يوم 17 يونيو، وأجلى المماليك عن المتاريس، وملكها وانتصر عليهم، وقتل رجل من الأجناد (في جيش البكوات) وهو الذي كان محافظا على المتاريس، يقال له إبراهيم آغا، سقط به الجرف إلى البحر، فأخذوه؛ أي جند حسن باشا إليهم، ومعه آخر وقتلوهما، وقطعوا رءوسهما وأرسلوهما صحبة المبشرين إلى محمد علي، فعلقوا الرأسين بباب زويلة.
ولكن لم يلبث أن انقلب هذا النصر إلى هزيمة، عندما باغت البكوات جند حسن باشا مكمنين وكاتمين أمرهم في أول الليل (17 يونيو)، فدهموا الأرنئود من كل ناحية، فوقع بينهم مقتلة عظيمة، وأخذوا منهم عدة بالحياة، وأخذوا منهم أشياء، فانسحب الأرنئود لاجئين إلى السفن مخلفين وراءهم جثث قتلاهم التي ألقاها المماليك في النيل فحملها التيار إلى القاهرة، منبئة بالهزيمة.
وساعدت الريح السفن، فاستأنف حسن باشا سيره إلى بني سويف، وأما البكوات، فقد عبر النهر منهم طائفة إلى شرق أطفيح، وانتقل بواقيهم راجعين إلى ناحية الجيزة قريبا من عرضى الباشا.
وفي 22 يونيو وصل طائفة من المماليك إلى المرابطين لخفارة عرضى الباشا، واحتاطوا بهم، وساقوهم إليهم، فانزعج العرضى، وحصل فيهم غاغة، وسادت الفوضى، وترك الجند خيامهم للتحصين بالجيزة (البلد)، ولكن المهاجمين لم يستطيعوا التقدم، وكان الذي أوقف هجومهم وأبطله حدوث الانقسام في صفوفهم.
فقد أخذ فريق من البكوات يشكون ويتذمرون من غطرسة شاهين بك الألفي الذي زاد صلفا وغرورا منذ أن صارت له الرئاسة على المماليك المرادية واقتسم السلطة مع إبراهيم بك، فأساء معاملة كثيرين من البكوات ومماليك بيت الألفي الذي ينتسب إليه شاهين نفسه، وأفلح وكلاء الباشا في تزكية هذا التذمر وزيادته اشتعالا، وراح الباشا بواسطة هؤلاء الوكلاء - وكان أهمهم مصطفى كاشف المورلي، وهو معدود من طوائف المماليك سابقا، وملتحق الآن بخدمة كتخدا بك محمد آغا لاظ - يبذل لهم الوعود السخية، فانشق ثلاثة من البكوات مع حوالي الستة عشر كاشفا، ونحو المائتي مملوك من فرسانهم، على شاهين، وكان رفضهم الاشتراك في العمليات العسكرية المهيأة للهجوم على الجيزة السبب في إبطال هذا الهجوم (في 22 يونيو)، ولم يلبث البكوات المنشقون أن غادروا معسكرهم في ليل 22 يونيو، وعبروا النيل قاصدين تسليم أنفسهم إلى الباشا، وانتهى الأمر بصلحهم معه وانضمامهم إليه هم والكشاف والفرسان المماليك الذين ذكرناهم
وقد صادف أثناء عبورهم النيل في سواد الليل إلى القاهرة، أن كان الباشا نفسه يعبر النهر في طريقه إلى الجيزة؛ لأن ولده طوسون عند هجوم المماليك الأول على مخافر معسكره الأمامية وتوقعه حدوث هجوم كبير على الجيزة، كان قد أرسل إلى والده بالقلعة يستدعيه على عجل إلى المعسكر، فنزل الباشا وعدى إلى البر الغربي، وسمع الباشا أثناء التعدية واحدا يقول للآخر: قدم حتى نقتل المصريين (البكوات المماليك) ونبدد شملهم، ويكرر ذلك، فأرسل الباشا مركبا، وأرسل بعض أتباعه لينظروا هذين الشخصين، ولأي شيء نزلا البحر في هذا الوقت، فلما ذهبوا إلى الجهة التي سمع منها الصوت لم يجدوا أحدا، وتفحصوا عنهما فلم يجدوهما، فاعتقد من له اعتقاد منهم، أنهما من الأولياء، وأن الباشا مساعد بأهل الباطن.
ولكن اتضح ثاني يوم (23 يونيو) أن الذين عدوا إلى البر الشرقي في الليل كانوا البكوات المنشقين، وهم ثلاثة من الأمراء الألفية: نعمان بك وأمين بك ويحيى بك.
Bog aan la aqoon