Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Noocyada
فلما كان صباح اليوم التالي (28 مارس)، أمر الباشا بقتل مصطفى آغا، «فأنزلوه إلى الرميلة، ورموا رقبته عند باب القلعة، ثم قتلوا شخصا من الدلاة بسبب هذه الحادثة. وفي يوم 29 مارس قتل الأرنئود شخصين من الدلاة أيضا.» وفي 30 مارس، شدد الباشا في مطالبة عمر بك بإرسال القاتل (الأرنئودي)، وقال: «إن لم يرسله، وإلا أحرقت عليه داره، فامتنع من إرساله، وجمع إليه طائفة من الأرنئود، وصالح آغا قوج جاره، وركب الباشا وذهب إلى ناحية الشيخ فرج، وحصل ببولاق قلقلة وانزعاج، ثم ركب الباشا راجعا إلى داره بالأزبكية وقت الغروب، وكثرت الأرجاف والقلقلة بين الأرنئود والدلاتية.»
وفي أول أبريل قتل الأرنئود اثنين من الدلاتية، جهة قنطرة السباع، والتجأ القاتل إلى كبير من كبار الأرنئود، فأرسل الباشا إلى حسن باشا طاهر طلب منه ذلك الكبير، «وأكد في طلبه، وأنه يقطع رأس القاتل ويرسلها، فكأنه فعل، وأرسل إليه حسن باشا برأس ملفوفة في ملاية تسكينا لحدته، وبردت القضية، وسكنت الحدة، وراحت على من راحت عليه.» «ولكن الباشا قد صمم على إخراج عمر بك من البلاد، فأمره بالسفر من مصر، وقطع خرجه ورواتبه هو وعسكره، فلم تسعه المخالفة، وحاسب على المنكسر له ولعساكره من العلائف، وكذلك حلوان البلد التي في تصرفه، فبلغ نحو ستمائة كيس، وزعت على دائرة الباشا وخلافهم، وكان الباشا ضبط جملة من حصص الناس، واستولى عليها من بلاد القليوبية بحري شبرا، واختصها لنفسه، فلما استولى على حصص عمر بك، ودفع لها حلوانها، وهي بالمنوفية والغربية والبحيرة، عوض بعض من يراعي جانبه من ذلك.
وأخذ عمر بك ومن يلوذ به في تشهيل أنفسهم وقضاء حوائجهم. وفي 16 يونيو نزل عمر بك إلى المراكب من بيته من بولاق، وسافر على طريق دمياط، ليذهب إلى بلاده، وسافر معه نحو المائة، وهم الذين جمعوا الأموال، واجتمع لعمر بك المذكور من المال والنوال أشياء كثيرة، عباها في صناديق كثيرة، وأخذها معه، وذلك خلاف ما أرسله إلى بلاده، في دفعات قبل تاريخه.»
ومما تجدر ملاحظته أن عمر بك لم يلق تأييدا من الجند في فتنته هذه مثل ما لقي رجب آغا قبل ذلك بعام واحد فحسب، ودل ذلك على أن كبار الرؤساء قد بدءوا يفقدون قدرتهم على تحريك الفتنة بين الجند ضد الباشا، وأن الباشا قد بدأ يسيطر على الجند، وشعر هؤلاء أنه وحده صاحب الحكم والسلطان في البلاد، صحيح ظلت تقع بعض حوادث التمرد والعصيان بعد ذلك، لكن هذه كانت فردية، لم تشترك فيها طوائف الجند، كما فشلت بسهولة كل حركة عصيان قام بها الرؤساء أنفسهم.
وأما عن محاولات الاعتداء الفردية على الباشا، فقد حدث في شهر يونيو 1810، أن «عمل الباشا ميدان رماحة بالجيزة، فتقنطر به الحصان، ووقع على الأرض، فأقاموه» وأصيب في أثناء ذلك غلام من مماليكه برصاصة فمات. وسجل الشيخ الجبرتي في تاريخه أنه يقال إن الضارب لها كان قاصدا الباشا فأخطأه، وأصابت ذلك المملوك، والأجل حصن. وكان كل ما تعرض له محمد علي من أخطار بعد ذلك، مبعثه مكائد البكوات المماليك الذين حاولوا اغتياله في هذا العام نفسه والعام الذي يليه، أثناء انشغاله بالحملة المعدة لحرب الوهابيين، وقد اكتشف الباشا أمر هذه المكائد في حينها، وأخفق المتآمرون على نحو ما سيأتي ذكره.
وكان السبب في تطويع الجند - عدا الشدة التي أخذ بها الباشا هؤلاء للقضاء على عوامل الفوضى في جيشه، وإبعاده المحرضين على العصيان والثورة - حرصه على إرضاء الجند بدفع مرتباتهم لهم، ثم استقدام جند جدد من الدلاة (المجانين) من الشام، ووضعهم تحت إمرته مباشرة، وتحت قيادة أقربائه، والرؤساء الذين يثق في ولائهم له، وهذا إلى جانب أجناد من العثمنلي، وغرضه من ذلك موازنة قوى الأرنئود في جيشه. فحضر في نوفمبر 1809 طائفة من الدلاتية من ناحية الشام، ودخلوا مصر؛ أي القاهرة، كما حضر غيرهم. وفي يونيو ويوليو 1810 حضر كثير من عسكر الدلاة من الجهة الشامية، وكذلك حضر أتراك على ظهر البحر كثيرون.
وشغل الجند ورؤساؤهم بالتجريدات التي أرسلت إلى الصعيد لقتال المماليك في غضون عامي 1809، 1810، وزاد انتصار الباشا على هؤلاء، خصوصا في معركتي اللاهون والبهنسا من دعم سيطرته على الجند، ثم إنه ما إن دانت بعض أقاليم الصعيد له بعد هذه الانتصارات حتى عين كبار ضباطه حكاما على الأقاليم، ومنهم صالح قوج (قوش) الذي عينه حاكما على أسيوط، وقد ظل هذا في الصعيد حتى استدعاه الباشا إلى القاهرة عند تدبير مذبحة المماليك، فوصلها في فبراير 1811.
ولقد دل إحكام تدبير هذه المذبحة ونجاحها، على أن الجند وكبار ضباطهم قد صاروا طواعية طائعين للباشا، وأما أولئك الذين أراد محمد علي إقصاءهم، فقد استطاع عزلهم من مناصبهم بسهولة، من هذا القبيل عزله ثلاثة من الرؤساء الأرنئود. قال «سانت مارسيل» في كتابه إلى حكومته في 18 أغسطس 1812، إن الباشا اكتشف تآمرهم عليه، ومحاولتهم تحريض الجند على الثورة ضده، فقطع خرجهم وعلائفهم، وأعطاهم المنكسر لهم، وهو حوالي الثلاثة آلاف كيس، وأمرهم بمغادرة البلاد، ومع أن «سانت مارسيل» توقع عصيان الجند ونشوب الثورة في القاهرة بسبب هذا الحادث فإن شيئا من ذلك لم يقع. (3-6) نفي صالح قوش وأحمد آغا لاظ
وأما تفصيل هذه الواقعة، فهو أنه كان قد ظهر من الخلاف والخذلان بين بعض رؤساء الأرنئود في الحرب الوهابية ما سبب هزيمة جيش طوسون باشا في وادي الصفراء، وولى أكثر الجنود وكبار ضباطهم هاربين، وقصد من هؤلاء الأخيرين تامر كاشف وحسين بك دالي باشا وغيرهما إلى المويلح ينتظرون بها إذن الباشا في رجوعهم إلى مصر أو عدم رجوعهم، ثم إنه كان من بين الذين غادروا الجيش، صالح قوج (قوش) ولكن هذا عندما نزل في السفينة من ينبع كر راجعا إلى القصير، واستقل برأيه؛ لأنه يرى في نفسه العظمة، وأنه الأحق بالرياسة. وصار يسفه رأي السيد محمد المحروقي الذي ذهب مع الجيش ليشرف على لوازمه واحتياجاته وأمور العربان ومشايخهم، كما صار يسفه رأي طوسون باشا، ويقول هؤلاء الصغار كيف يصلحون لتدبير الحروب، ويصرح بمثل هذا الكلام، وأزيد منه، وكان هو أول منهزم، وعلم كل ذلك الباشا بمكاتبات ولده طوسون، فحقد في نفسه، وتمم (صالح قوج) ذلك بسرعة رجوعه إلى القصير، ولم ينتظر إذنا في الرجوع أو المكث.
وفي 25 يناير 1812 حضر إلى القاهرة حسين بك دالي باشا وغيره كثيرون من كبار الضباط الذين كانوا في المويلح، «ودخلت عساكرهم المدينة شيئا فشيئا ، وهم في أسوأ حال من الجوع، وتغير الألوان، وكآبة المنظر ثم دخل أكابرهم إلى بيوتهم، وقد سخط الباشا عليهم، ومنع ألا يأتيه منهم أحد ولا يراه. وفي 23 مارس، حضر تامر كاشف ومحو بك وعبد الله آغا، وهم الذين كانوا حضروا إلى المويلح بعد الهزيمة في وادي الصفراء فأقاموا مدة، ثم ذهبوا إلى ينبع عند طوسون باشا، ثم حضروا في هذه الأيام باستدعاء الباشا. وفي 10 يوليو وصل صالح قوج، وسليمان آغا وخليل آغا من ناحية القصير. وفي 13 يوليو طلع الجماعة الواصلون إلى القلعة، وسلموا على الباشا، وخاطره منهم منحرف، ومتكدر عليهم؛ لأنه طلبهم للحضور مجردين بدون عساكرهم ليتشاور معهم، فحضروا بجملة عساكرهم، وقد ثبت عنده أنهم هم الذين كانوا سببا للهزيمة لمخالفتهم على ابنه، واضطراب رأيهم، وتقصيرهم في نفقات العساكر، ومبادرتهم للهرب، والهزيمة عند اللقاء، ونزولهم بخاصتهم إلى المراكب، وما حصل بينهم وبين ابنه طوسون باشا من المكالمات، فلم يزالوا مقيمين في بيوتهم ببولاق ومصر، والأمر بينهم وبين الباشا على السكوت نحو العشرين يوما، وأمرهم في ارتجاج واضطراب، وعساكرهم مجتمعة حولهم، ثم إن الباشا أمر بقطع خرجهم وعلائفهم، فعند ذلك تحققوا من المقاطعة.»
Bog aan la aqoon