Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Noocyada
واختار «لسبس» ترك الإسكندرية إلى القاهرة، وكان «لسبس» إلى جانب هذه الحيرة، في حالة نفسية سيئة على ما يبدو مبعثها خوفه من امتداد عمليات الأرنئود العسكرية إلى الإسكندرية، بعد أن سقطت دمياط في أيدي محمد علي والبرديسي في 3 يوليو ، ولم تبلغه أية تعليمات عن الوكيل الفرنسي بدمياط «باسيلي فخري» الذي نهب منزله في حادث سقوطها، ثم بعد أن صارت رشيد في يد البكوات الذين لم يخلوها حتى منتصف يوليو تقريبا، وكان إخلاؤهم لها بسبب انتشار إذاعة في القاهرة عن اعتزام الوهابيين الهجوم على مصر، جعلت إبراهيم بك يحشد قواته بالقاهرة، وعلى ذلك فقد كان الذعر منتشرا بالإسكندرية عند وصول علي باشا الجزائرلي من قدوم الأرنئود إليها من رشيد التي لم يوجد بها ماء صالح للشرب أو أغذية تكفي هؤلاء، فيضطر الأرنئود والعربان للنزوح إلى الإسكندرية، أضف إلى هذا أن «براءته وبراءة زميله دروفتي» لا زالت لم تصل من القسطنطينية، كما لم يصل التراجمة المخصصون للعمل بالقاهرة والإسكندرية، فصح عزم «لسبس» على ترك الإسكندرية.
وطلب «لسبس» مقابلة علي الجزائرلي، في نفس اليوم الذي وصل فيه، وتحدث إليه في موضوع سفره إلى القاهرة، وفي 15 يوليو كتب إلى «برون» في القسطنطينية ينقل إليه ما دار بينه وبين الجزائرلي، فقال «إنه اجتمع به طويلا ويبدو له - بالرغم من حذر علي باشا الجزائرلي في حديثه - أنه يميل لمناصرة الإنجليز، أو يريد استخدامهم في الوساطة بينه وبين البكوات للوصول إلى اتفاق معهم.»
ثم إنه عندما تحدث إليه «لسبس» في مسألة سفره إلى القاهرة، لم يلبث أن صار يهول كثيرا في جسامة الأخطار التي سوف يتعرض لها، واستند علي الجزائرلي في تهويله هذا على ما هو قائم من علاقات وثيقة الآن بين الإنجليز والمماليك، وغرضه من ذلك منع «لسبس» بكل الوسائل من الذهاب إلى القاهرة.
ثم استطرد «لسبس» يقول «إنه أعلمه بتصميمه على الذهاب إليها دون أن يذكر له أن المماليك لا يريدون إهلاكه أو إفساد أعماله، ولكنه تذرع بأسباب أخرى، كرغبته في القيام بواجبه وحماية الفرنسيين الموجودين بها، فوافق «علي الجزائرلي»، ولو أنه قال «إنه يعرف أن وجود «لسبس» بالقاهرة لا يمكن أن يفيد لا أطماع دولته ولا صالح حكومة علي باشا نفسه».»
ويبدو أن «علي الجزائرلي» ظل ممانعا في سفر «لسبس» إلى القاهرة، كما فعل خورشيد من قبل، وساعد قطع المواصلات بين القاهرة والإسكندرية - بسبب انسحاب المماليك من رشيد في طريقهم إلى القاهرة - على تعطيل «لسبس» الذي خشي كذلك أن يجد نفسه إذا هو غادر الإسكندرية في هذه الظروف وسط بعض المناوشات أو المعارك، ولو أنه كان أكثر خوفا من دخول الأرنئود والمماليك إلى الإسكندرية في وقت كان حلفاء القاهرة «محمد علي - إبراهيم - البرديسي» يستعدون للزحف عليها وحصارها.
وعلى ذلك فقد تريث «لسبس» حتى علم أن الطريق قد صار مؤمنا، فخشي من ضياع الفرصة، وراح يلح من جديد على «علي الجزائرلي» حتى يسمح له بالسفر، ولم يجد في هذه المرة وسيلة أفضل من «التشاور معه في مسألة العقبة الوحيدة التي كان يثيرها لمنعه من السفر، وهي تعرضه للأخطار»، وظفر منه «لسبس» بجواز سفر، فغادر الإسكندرية في 24 يوليو 1803، ولكنه ما لبث أن علم بأن «علي الجزائرلي» كتب إلى البكوات بالقاهرة حتى لا يقابلوه، وأنذرهم بأنهم إذا رحبوا به أثاروا عليهم غضب الباب العالي «وعدم رضا دولة أخرى لم يذكرها»، فدهش «لسبس» وكان من حقه أن يدهش.
ذلك بأن «لسبس» ارتكب في مقابلته هذه مع الجزائرلي نفس الخطأ الذي ارتكبه عند محاولته التأثير على «أحمد خورشيد» لتسهيل حصوله على جواز للسفر إلى القاهرة، فقد حدث أن صار البرديسي يلح في طلب مقابلته بعد أن بعث إليه رسالته، وتردد «لسبس» طويلا خوفا من إثارة غضب «علي الجزائرلي»، ولكنه اقتنع أخيرا بمقابلته صونا للمصالح الفرنسية، فاجتمع به سرا وتحدث البرديسي بصراحة عن آماله ومشروعاته، وعن كراهيته للإنجليز وصداقته لفرنسا، فرأى «لسبس» في «مشاورته» مع علي باشا لإزالة «العقبة» التي أثارها الأخير دائما لمنعه من السفر؛ أن ينقل إليه كل ما تحدث به البرديسي.
ومع أن «لسبس» تذرع بحجج كثيرة في رسالته التي كتبها في القاهرة في 19 أغسطس إلى «تاليران»، ينقل إليه خبر حصوله على جواز سفر إلى القاهرة من «علي باشا»، فإنه لم يذكر شيئا عن هذه الخيانة الجديدة للعهد مع المماليك.
ولكن المؤرخين الفرنسيين أنفسهم يؤكدون هذه الخيانة؛ فقد قال أصحاب التاريخ العلمي والعسكري للحملة الفرنسية في مصر (المجلد التاسع)، إنه بعد مقابلة البرديسي لماثيو لسبس التي ذكرناها، «إن لسبس نسي الواجب الذي تفرضه عليه فرضا ثقة «البرديسي» المطلقة به، فلم ير ما يمنعه من طلب مقابلة سرية مع الوالي «علي الجزائرلي» في اليوم التالي، وأبلغه كل تفاصيل ما دار بينه وبين الزعيم المملوكي، فألح الإنجليز في ضرورة استبقاء «لسبس» في الإسكندرية، وكان غرض «لسبس» من هذه الخطوة أن يحصل بسرعة على جواز المرور الذي كان قد ظل يطلبه من مدة طويلة للسفر إلى القاهرة. حقيقة انتهى الأمر ب «علي الجزائرلي» بإعطائه هذا الجواز، ولكنه حرص في الوقت نفسه على الكتابة إلى البكوات يطلب منهم منع «لسبس» من الوصول إلى القاهرة حتى لا يجلبوا عليهم سخط الباب العالي وبريطانيا العظمى.»
وقد قابل «لسبس» في طريقه إلى القاهرة عثمان بك البرديسي في بلدة «فوة» واجتمع به، وذكر «لسبس» في رسالته السالفة الذكر إلى تاليران «أنه تبين له أن البرديسي أمين في ولائه للفرنسيين، ومتذمر من الإنجليز، ولكنه لا يستطيع الجهر بعدائه لهم إلا إذا وقف على حقيقة نوايا القنصل الأول.»
Bog aan la aqoon