Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Noocyada
وفي 12 يونيو 1812، كتب «مسيت»: «أن محمد علي يبغي الاستقلال من زمن بعيد، فقد زاد عدد جنده بالقدر الذي أجازته له موارده لتحقيق هذه الغاية، وعندما صرح أخيرا بأن لديه من المعلومات - حسبما وقف عليه من التقارير التي وصلته - أن الفرنسيين بفضل نفوذهم لدى الباب العالي، سوف يحملونه قريبا على غلق المواني العثمانية دون تجارة بريطانيا العظمى، سألته كيف يكون مسلكه حينئذ، فأجاب دون أقل تردد، بأنه سوف يتمسك بالعلاقات الودية السائدة الآن فعلا، بين مصر والمؤسسات أو المراكز البريطانية بالبحر الأبيض، وأنه إذا تعذر عليه إقناع الباب العالي بغض طرفه عن مسلكه في هذه المسألة، فإنه سوف يعلن استقلاله، وهو يأمل في هذه الحالة أن تزوده الحكومة الإنجليزية بالوسائل التي تمكنه من المقاومة بصورة فعالة، ضد الأعداء العديدين والأقوياء، الذين سوف يترتب على تصميمه هذا استثارتهم ضده. ولقد وقفت على نوع وقدر المعاونة التي سوف يحتاجها عندئذ، دون تقييد الحكومة الإنجليزية بشيء، أو ربط هذه بأي تعهد من ناحيتها قبله، ولو أني أعتبر قيام هذه الحالة أمرا بعيد الاحتمال جدا ، ولقد كان جوابه أن عدد جيشه يكفي لصون مصر، وأنه سوف يعوزه فقط قدر من المال لمواجهة النفقات غير العادية التي سوف يرغم عليها؛ ولأنه لما كان سيقاتل ضد جيوش أوروبية، فإن ذلك يتطلب مالا ورجالا. ثم إنه صرح برجاء أن يكون لديه قريبا جيش من أربعين ألف مقاتل.»
ذلك كان هدف محمد علي «السياسي» من توثيق علاقاته بالإنجليز؛ معاونته على بلوغ استقلاله، وتلك كانت «الشروط» التي أعلنها ل «مسيت» والتي تضمنت نوع المعاونة التي يطلبها من الإنجليز، ومدى «الارتباط» الذي سوف يكون من نصيب هؤلاء، إذا قبلوا التحالف معه، ولا تتعدى هذه تقديم المال، المال الذي يستطيع هو الإنفاق منه على تحصيناته واستعداداته الدفاعية إلى جانب استقدام الجنود «المرتزقة» من تركيا ذاتها وسائر أنحاء الإمبراطورية للخدمة في جيشه، ولكن هذه العروض والمقترحات ذهبت جميعها سدى.
ولم تمنع الرغبة في محالفة الإنجليز واستمالتهم إلى تأييد مشروع استقلاله، من مفاتحة الفرنسيين غرمائهم أنفسهم في موضوع هذا الاستقلال ذاته، أو السعي لدى الباب العالي للظفر بمأربه بالطرق والوسائل التي قال محمد علي إنه عليم بها وبأثرها لدى الديوان العثماني. ولكنه كما كانت هناك صعوبات حالت دون إصغاء الحكومة الإنجليزية لمقترحاته، فقد اعترضت مساعيه لدى الفرنسيين، ثم لدى الباب العالي، عقبات جمة، فلم يظفر بما يريده. (5) فرنسا: «سر نابليون»
وكان موقف فرنسا من مسألة «استقلال» محمد علي، في هذه السنوات التي تلت جلاء الإنجليز عن الإسكندرية، يختلف عن موقف إنجلترة من هذه المسألة، من حيث الدوافع التي جعلت الفرنسيين يرفضون مشروع استقلاله، وهم أصدقاء الباشا، والذين عاونه وكلاء حكومتهم في سنوات التجربة والاختبار العصيبة على اجتياز الأزمات التي صادفته، وكان آخر ما فعلوه في هذا السبيل اتحاد «دروفتي» وسائر العملاء الفرنسيين مع الباشا في كفاحه من أجل طرد الإنجليز من الإسكندرية، وإنقاذ حكومته من الخطر الذي يتهددها.
ولما كان الباشا في كل علاقاته معهم - وبالرغم من اتجاره مع الإنجليز - قد تمسك دائما بصداقته للأمة الفرنسية وأظهر احترامه للإمبراطور نابليون، وحرص على استرضاء الوكلاء الفرنسيين، فقد كان من المتوقع أن تكون فرنسا أكثر ميلا من غيرها لتأييد مشروع استقلاله، ولكن هذا لم يحدث، لا لأن فرنسا كانت تريد إرضاء الباب العالي، أو منع انهيار الإمبراطورية العثمانية، أو أن هناك ما يدعو للتشكك جديا في نوايا محمد علي نفسه نحوها، أو صداقته لها، ولكن لأن الإمبراطور نابليون نفسه كان يبغي تقطيع أوصال الدولة العثمانية على أن يفوز بأدنى نصيب من أملاكها، ومن هذه مصر ذاتها؛ إحياء لذلك المشروع الذي هدف منه إلى تأسيس إمبراطورية شرقية كبيرة على أنقاض الدولة العثمانية من جهة، ثم على أنقاض إمبراطورية الإنجليز في الهند من جهة أخرى، وتنظيم شئون «الشرق» بالصورة التي تكفل دعم «إمبراطورية الغرب» التي حلت - بزعامة نابليون في أوروبا - محل الإمبراطورية الرومانية المقدسة «الجرمانية» القديمة، وعلى ذلك فلم يكن مناسبا لمشاريعه التوسعية هذه، أن تظفر مصر إذا استقلت على يد محمد علي، بحكومة وطيدة قوية، في قدرتها دفع الغزو الفرنسي، وتعطيل مشروع الإمبراطورية الكبير، وهو الذي اصطلح المؤرخون على تسميته ب «سر نابليون».
ومع أن توالي الكوارث على فرنسا، منذ أن قام الإمبراطور بغزوه الفاشل في روسيا (1812)، وأنهكت قواه الحرب في إسبانيا، وتألبت عليه الأمم في أوروبا، جعل متعذرا التوسع في الشرق، فقد خلق وجود هذا «السر» متاعب عديدة للوكلاء الفرنسيين في مصر، في علاقاتهم مع محمد علي في السنوات التي تلت اتفاق الجلاء عن الإسكندرية خصوصا، فقد كان على هؤلاء أن يكافحوا ذلك النفوذ الإنجليزي الذي استمر ينمو نموا مطردا في مصر، في الفترة التي نحن بصدد دراستها، للأسباب التي مرت بنا، ووجب عليهم أن يمنعوا اتجار الباشا مع الإنجليز وتصدير غلاله إليهم في قواعدهم في مالطة وصقلية وشبه جزيرة أيبريا لتموين أساطيلهم وجيوشهم، في وقت كان قد فرض فيه منذ نوفمبر 1806 «النظام القاري» الذي أعلن حصار الجزر البريطانية، ومنع الدول الحليفة له أو الخاضعة لسلطانه من فتح موانيها للاتجار مع بريطانيا، ثم تعين على الوكلاء الفرنسيين كذلك أن يستعينوا بمؤازرة الباشا لهم، لوقف حملات القذف المشينة التي يشنها على الإمبراطور أمثال «بتروتشي»، و«الأب أرمننجليد»، وإزالة الأثر الذي قد تحدثه على الباشا «الشائعات» التي روجها الوكلاء الإنجليز عن اعتزام الإمبراطور غزو مصر، ومجيء جيش فرنسي قريبا، لامتلاك البلاد وإنهاء حكم الباشا، وذلك كله فضلا عن مسعاهم من أجل تمكين مواطنيهم من بيع غنائمهم هم أنفسهم، في هذه المواني من جهة أخرى.
ووجد الوكلاء الفرنسيون أنفسهم، بسبب «سر نابليون» في حيرة عظيمة، عندما تعين عليهم أن يلزموا الحيطة والحذر في علاقاتهم مع الباشا، حتى لا يكشفوا هذا «السر»، وتعذر عليهم أن يدخلوا الطمأنينة إلى نفسه من ناحية الإمبراطور ومشاريعه الخطرة بصورة حاسمة، فلم يسعهم سوى «تكذيب» الشائعات التي يروجها خصومهم، ثم إذاعة إشاعات «مضادة» من جانبهم، يتهمون فيها الإنجليز بالعمل على تجديد غزوهم لهذه البلاد، وانحصرت التعليمات التي وصلتهم من حكومتهم في ضرورة مراقبة نشاط تجارة الإنجليز مع الباشا، وبذل قصارى الجهد لمنع تصدير الغلال لهؤلاء، والعناية بتزويد حكومة الإمبراطور بكل المعلومات الدقيقة عن الأحوال السائدة في البلاد، بينما امتنعت حكومتهم عن الإدلاء إليهم بأي رأي حاسم فيما يتعلق بسير هذه الأحوال ذاتها، وخاصة فيما يتعلق بمشاريع محمد علي، وعروضه عليهم، سوى أنها رفضت بتاتا الموافقة على مشروع استقلاله، وكان مبعث هذا الرفض، هو «سر نابليون» نفسه.
فقد قضى انتصار نابليون في «أوسترليتز» في 2 ديسمبر 1805، على الإمبراطورية الرومانية المقدسة،
الإمبراطور يتجه صوب «الشرق»، يبغي من فتوحاته في هذا الميدان استكمال إمبراطوريته الغربية، وجعلته الحرب مع بروسيا منذ 1806 يشتبك في قتال مع روسيا، كما كان مشتبكا مع إنجلترة، وأظهر هذا النزاع «معضلة الشرق» بحذافيرها في الوضع الذي أريد لها، وقد تقدم كيف أرسل الإمبراطور «سباستياني» سفيرا في القسطنطينية؛ لدفع تركيا إلى الحرب ضد روسيا، وفشلت مهاجمة أسطول «داكويرث» للقسطنطينية، كما أخفق غزو «فريزر» للإسكندرية، في تخويف الباب العالي، وحمله على الصلح مع الروس والإنجليز (1807).
ثم إن انتصار نابليون على جيوش بروسيا وروسيا في «إيلاو»
Bog aan la aqoon