245

Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Noocyada

فقد مهدت العلاقات التجارية التي أنشأها محمد علي مع الإنجليز، لاستئناف مساعيه لعقد محالفة معهم، واستند في مفاتحة وكلائهم برغبته هذه، أولا: إلى أنه لا يثق في نوايا الباب العالي نحوه، ويريد تأمين بقائه في باشويته، ويعنيه لذلك التحالف مع حليف قوي، يدفع عنه أذى الباب العالي. وثانيا: إلى أنه من صالح الإنجليز توثيق صلاتهم به، حتى يرعى مصالحهم التجارية، لا في مصر وحدها فحسب، بل وكذلك في الأصقاع الجديدة التي ينوي فتحها في بلاد العرب، عند خروجه في الحملة التي يكلفه الباب العالي القيام بها ضد الوهابيين، فيفتح مواني البحر الأحمر لتجارتهم. وثالثا: إلى أن تأمين الطريق البري من السويس إلى القاهرة فالإسكندرية يعود على تجارتهم مع الهند بفوائد عظيمة. وأخيرا: إلى أن تحالفهم معه يكفل اطمئنانهم إلى الحصول على كل ما يريدونه من غلال لتموين قواعدهم بالبحر الأبيض.

وقد بدأ مساعيه هذه مع الوكلاء الإنجليز، عقب مغادرة «فريزر» وجيشه البلاد، وأبلغ «آني» رغبات الباشا إلى كل من القائدين «فريزر» و«مور» منذ 1807، ولكنه لم يظفر منهما بجواب حاسم. ولما كان محمد علي قد «اصطفى» هذا المالطي؛ ليسر إليه ب «حقيقة» أغراضه، وظل يكرر له القول إنه يعتزم فعلا الخروج إلى بلاد العرب، لا لمجرد القضاء على الوهابيين، بل ولفتح ميناءي جدة وينبع، والاستيلاء على اليمن ومخا، مينائها كذلك - وقد امتدت اعتداءات الوهابيين إلى اليمن - فقد اهتم «آني» بالأمر، وحرص على أن لا تفوت حكومته الاستعانة بمحمد علي، في تأمين الملاحة البريطانية في البحر الأحمر من جهة، وفتح ميادين جديدة لتجارتهم من جهة أخرى، عدا ما يترتب على التعاون مع قوات الباشا الصديقة في هذه المراكز، من غلق البحر الأحمر في وجه أية دولة معادية وبخاصة فرنسا، إذا حدثتها النفس بمحاولة تهديد المصالح البريطانية في الهند مرة أخرى، على غرار ما حاوله بونابرت أثناء حملته المعروفة على مصر.

فقد لفتت حملة بونابرت هذه أنظار الإنجليز إلى أهمية البحر الأحمر، وقد أصر «لورد فالنتيا» عند انتهاء رحلته في الهند، على العودة منها بطريق البحر الأحمر، وقد ذكرنا كيف دخل القاهرة في فبراير 1806، بعد أن اجتاز الطريق البري بسلام من السويس إليها، وكان غرضه من الرحلة في البحر الأحمر، اكتشاف خير الوسائل التي يمكن بها غلق هذا الطريق في وجه غزو يأتي من الغرب، ثم تنمية تجارة الهند مع مواني البحر الأحمر، وقد تسنى له بذلك زيارة المواني الهامة، وخرج من رحلته هذه بأن احتلال عدن، وعقد محالفة مع الوهابيين والأحباش، أفضل ما يمكن اتخاذه من خطوات لتحقيق هذين الغرضين، فكان من أثر دعوته أن ذهب «هنري صولت»

Salt ، رفيقه في رحلته هذه، في مهمة إلى الحبشة في عام 1809 لتنمية العلاقات التجارية بينها وبين الهند (بومباي). ثم إن حكومة الهند ما لبثت أن أوفدت الكابتن «ردلاند»

Rudland

إلى مخا، يعاونه «جون بلزوني»

Belzoni

لإنشاء نفس العلاقات معها، وكان من أغراض هذه البعوث كذلك منع قراصنة الوهابيين من الاعتداء على سفن شركة الهند التجارية الشرقية.

وعلى ذلك، فقد اعتقد الوكلاء الإنجليز في مصر، لا سيما «آني» و«صمويل بريجز»، أن من صالح دولتهم التحالف مع محمد علي، وهو الذي ما فتئ يعلن عزمه على الخروج إلى الحجاز، ويجد بكل ما لديه من وسائل لبناء أسطول تجاري وحربي في البحر الأحمر، وأما إذا رفضت حكومتهم المحالفة معه، فلا أقل من أن تعقد معه اتفاقا تجاريا، يمكن بفضله نقل المتاجر البريطانية عبر الطريق البري بشروط سخية طيبة.

فكتب «آني» إلى اللورد «هو كسبري» في 28 سبتمبر 1808، «أن محمد علي لعدم ثقته بالباب العالي، يبغي أن يربط نفسه بإنجلترة، ويقترح عقد معاهدة سلام وتحالف معها، وب «شروط» في صالحها.» ثم طفق يقص على الوزير مشروعات الباشا في الحجاز، عند قيامه بحملته إلى هذه البلاد، وفتح جدة وينبع واليمن، ولكن هذا الاقتراح لم يلق آذانا مصغية من حكومة لندن، صحيح أن إنجلترة كانت لا تزال في حرب مع تركيا، وقد يكون هذا العرض من جانب باشا مصر - الذي حرص على إمدادها بالغلال وتفريج أزمة تموين أساطيلها وجيوشها - عرضا مغريا، ولكن الإنجليز كانوا يبذلون آنئذ قصارى جهدهم للصلح مع الباب العالي، ثم إنه كان معروفا لديهم من أيام مفاوضات الجلاء عن الإسكندرية، أن الباشا إنما يبغي المحالفة معهم كي يظفر ب «الوضع» الذي يمكنه من «الاستقلال» عن سلطان الباب العالي، فهم إذا ارتبطوا معه انساقوا إلى نزاع جديد مع تركيا، وفضلا عن ذلك، فإنهم ما قرروا سحب جيشهم من مصر، والتخلي عن المماليك أصدقائهم القدامى، إلا لرغبتهم في التحرر من أي ارتباط يفرض عليهم نشاطا مستمرا في ميدان يبغون الخلاص منه كي يتفرغوا لمنازلة العدو في الميادين الأخرى الأكثر أهمية، فلم يكن من المنتظر حينئذ أن يقبلوا المحالفة مع محمد علي.

Bog aan la aqoon