Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Noocyada
ومع أن صاحب السمو قد قطع على نفسه عهدا مطالب بتنفيذه من حيث تسليم كل أسرى الحرب البريطانيين، وكذلك أولئك الذين صاروا رقيقا في هذه البلاد فورا، ولكن نظرا لأن كثيرين من هؤلاء الأخيرين مبعثرون، ومن المحتمل أن بعضهم موجود في أماكن بعيدة بعدا عظيما، فقد تقرر بقاء وكيل بريطاني بالإسكندرية بعد إخلائها؛ ليتسلمهم كلما صار العثور عليهم وإحضارهم؛ ولهذا الوكيل أن ينال من صاحب السمو كل حماية ومساعدة في الحصول على الأسرى الرقيق، ويسمح له بأن يرسل كل من يوجد منهم إلى أية سفينة حربية بريطانية في هذا الميناء، أو يرسلهم بأية وسيلة أخرى من وسائل النقل، قد تتيسر له إما إلى صقلية وإما إلى مالطة.
أبرمت هذه المعاهدة في معسكر صاحب السمو جليل الشأن محمد علي باشا - والي مصر - بالقرب من دمنهور في اليوم الرابع عشر من شهر سبتمبر عام 1807، الموافق 11 رجب سنة 1222 هجرية، إمضاءات: محمد علي باشا، «شربروك»، «فيلوز».
وبذلك انتهت المفاوضات الطويلة، والتي استمرت متقطعة أربعة أشهر بتمامها، بدأها محمد علي بجس نبض الإنجليز في مايو، وختمها «فريزر» انتهت بإبرام اتفاق الجلاء عن الإسكندرية، أن كتب يثني على الباشا ثناء مستطابا لما أظهره أثناء هذه المفاوضات من روح تتسم بالعدل والسماحة، حتى إنه كي يطمئن الإنجليز على أن أذى لن يلحق بالإسكندريين أو غيرهم من الأهلين الذين صادقوهم أثناء الاحتلال، لم يدع فرصة تمر دون أن يعلن تعهده القاطع، وكما أثبته في المعاهدة المبرمة، بالصفح والعفو عن هؤلاء دون نظر إلى سلوكهم الماضي. (4) موقف «دروفتي»
على أن النشاط الذي بدا في معسكر الباشا بدمنهور في الأيام القليلة التي سبقت عقد المعاهدة، لم يلبث أن استرعى نظر «دروفتي»، ومنذ أن نما إليه أن «ريفارولا» - كما قال - قد صدق وعده وعاد إلى دمنهور، ومقيم بمعسكر الباشا، وساور «دروفتي» القلق عندما جاء إلى القاهرة يوم 11 سبتمبر أحد ضباط محمد علي ليأخذ إلى دمنهور ضابطين من الأسرى الإنجليز الموجودين بالقلعة، ويحملان رتبة الكابتن، كما وصلت «بتروتشي» دعوة من الباشا حتى يصحب هذين الضابطين إلى دمنهور، ثم إنه وصل أمر الباشا إلى كتخدا بك «طبوز أوغلي» بالتهيؤ لإرسال كل الأسرى حتى أولئك الذين كانوا أرقاء في أيدي الأفراد العاديين، فبعث «دروفتي» بترجمانه إلى كتخدا بك يستفسر منه عما حدث، فكان جواب هذا الأخير أن محمد علي قد عقد الصلح مع الإنجليز، وأن هؤلاء سوف يخلون في أيام قليلة الإسكندرية، والسفن المهيأة لنقل الأسرى من القاهرة إلى رشيد، واقفة على قدم الاستعداد للنزول بهم في النيل إليها.
ويبدو أن الباشا كان معتقدا بأن المفاوضات التي بدأها «ريفارولا» بتسليمه مقترحات «فريزر» و«هالويل» في دمنهور سوف تنتهي بالاتفاق بينه وبين الإنجليز، وأنه شرع - حتى قبل إبرام المعاهدة - يتهيأ لإرسال الأسرى؛ كسبا للوقت ولتحقيق الجلاء عن الإسكندرية بكل سرعة، فقد ذكر الشيخ الجبرتي في حوادث 4 رجب 1222، الموافق 7 سبتمبر 1807، أنه في هذا اليوم قد وردت مكاتبات من الباشا بوقوع الصلح بينه وبين الإنجليز، واتفقوا على خروجهم من الإسكندرية وخلوها ونزولهم منها، وأرسل يطلب الأسرى من الإنجليز؛ وعلى ذلك فقد أصدر أمره قبل توقيع المعاهدة إلى كتخدا بك للاستعداد لنقل الأسرى بطريق النيل إلى رشيد.
فكان عندئذ أن اعتقد «دروفتي» أن الحكومة الإنجليزية قد قبلت مقترحات محمد علي، التي عرضها ترجمانه على «فريزر» بالإسكندرية في شهر مايو؛ أي الجلاء عن هذه الأخيرة في نظير إطلاق سراح الأسرى الإنجليز، وكان من رأي «دروفتي» أن الحكومة الإنجليزية سوف تجد نفسها مرغمة في آخر الأمر بسبب ما يجري في أوروبا على قبول هذه المقترحات التي رفضها «فريزر» وقتذاك؛ وعلى ذلك، فقد اعتقد «دروفتي» بعد أن وصله جواب الكتخدا بك على استفساره، بأن الحكومة الإنجليزية قد أصدرت أوامرها بإخلاء الإسكندرية فعلا، وصار يهمه الآن أن يقف على حقيقة هذه المسألة وتفاصيل ما جرى بين الباشا والمندوبين الإنجليز، ثم رعاية المصالح الفرنسية بالإسكندرية ذاتها والسهر على أمن الفرنسيين والإيطاليين بها في الأيام الأولى من دخول الأتراك إليها، فبادر بإرسال «مانجان» يوم 14 سبتمبر إلى معسكر الباشا في دمنهور؛ للوقوف على حقيقة الموضوع، كما كلفه بالذهاب إلى الإسكندرية في حالة دخول الأتراك إليها للقيام بالمهمة التي سبق ذكرها.
ووصل «مانجان» إلى دمنهور يوم 15 سبتمبر؛ أي في اليوم التالي لعقد المعاهدة، ولم يكن المندوبون الإنجليز قد غادروا المعسكر بعد، فقصد «مانجان» إلى خيمة ترجمان الباشا الذي قابله في حيرة وارتباك ظاهرين، وعاد يبلغه أن الباشا يرجو تأجيل المقابلة معه حتى الغد؛ لأنه يخشى أن تثير مقابلته له استياء الإنجليز الذين في وسعهم وضع ما يشاءون من عراقيل لتأجيل جلائهم وخروجهم من مصر، وفضلا عن ذلك، فإن «شربروك» و«فيلوز» عندما شاهدا «مانجان» في المعسكر، بادرا بالذهاب إلى الباشا، يطلبان منه عدم مقابلته، فراح «مانجان» يذكر لترجمان الباشا أنه إنما حضر لإنهاء مسألة التجار الفرنسيين الذين لهم حقوق بوصفهم دائنين للميري والجمرك، وأنه يبغي بعد ذلك الذهاب إلى الإسكندرية للسهر على مصالح وأحوال مواطنيه بها عند دخول الأتراك إليها.
وكتب «مانجان» في تقريره إلى «دروفتي» عن مهمته بتاريخ 17 سبتمبر، أنه قابل محمد علي يوم 16 سبتمبر، بعد مغادرة المندوبين الإنجليز للمعسكر، وقد بدا وعلامات الارتياح ظاهرة على وجهه، وأخذ يتحدث إليه عن الدعاوى التي احتج بها لرفض مقابلة «مانجان» في اليوم السابق، فقال محمد علي إنه لا يستطيع في الظرف الراهن العمل ضد مصالحه، ولكنه في اللحظة التي يجلو منها الإنجليز عن الإسكندرية سوف يعاملهم دائما كأعداء لحكومته، ثم استطرد «مانجان» يقول: ويتحذر الباشا من الاصطدام مع أعدائنا في شيء مهما ضؤل، فهو حريص على مداراتهم بدرجة أنه رجاني أن أبقى حتى وقت رحيلهم في مكان لا يجعلني قريبا منه؛ لأن الجنرال الإنجليزي - وهو أحد المندوبين - عندما شاهد وصولي إلى المعسكر غضب غضبا شديدا - كما قال الباشا - وأراد رفض المعاهدة؛ ولذلك فإن الباشا يخشى أن تجد صعوبات بسببي تحول دون تنفيذ المعاهدة.
وعلى ذلك، فقد نقل «مانجان» خيمته، وكانت قريبة من خيمتي ترجمان الباشا و«بتروتشي»، ونصبها في معسكر «محو بك» الذي رحب به، ثم لم يلبث محمد علي أن أطلعه على المعاهدة التي بادر «مانجان» بإرسال نصوصها إلى «دروفتي».
وتختلف نصوص المعاهدة التي أطلع الباشا عليها «مانجان» في بعض التفصيلات عن النصوص التي تضمنتها المعاهدة التي أبرمت فعلا، فقد جاءت مادتها الأولى مبتورة وخالية من مسألة الرهائن لضمان تنفيذ المعاهدة، ثم نصت المادة الثانية عند ذكر تسليم الأسرى الإنجليز على استثناء أولئك الذين يريدون منهم البقاء في هذه البلاد، كما اختلفت المادة الثالثة في منطوقها ومدلولها عما جاء في نظيرتها في المعاهدة المبرمة فعلا، حيث نصت هذه على عدم إزعاج سكان الإسكندرية جميعهم، والأوروبيين المقيمين بها، مهما تنوعت الأعذار؛ لإلحاق الأذى بهم وإزعاجهم، ثم زادت المادة الرابعة المتعلقة بأمين بك الألفي على ما جاء بشأنه، تحديد المكان الذي ذهب إليه وهو «تينيدوس»، وبدلا من السماح له بالذهاب إلى أي مكان يريده عند عودته، ذكرت هذه المادة صراحة إجازة ذهابه إلى معسكره أي إلى إخوانه بالصعيد، وأخيرا جاء نص المادة الخامسة مغايرا تماما للنص الذي تضمنته المعاهدة المبرمة، فقد ذكرت هذه: «وإذا ظهرت بعض الصعوبات الصغيرة في فترة من الزمن قدرها عشرة أيام (أي من تاريخ عقد المعاهدة)، يجرى تسوية هذه بالطرق الودية، كما أن صاحب السمو لا يرفض كذلك إجابة ما قد يقدم إليه من مطالب مبعثها الود والصداقة.»
Bog aan la aqoon