221

Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Noocyada

وعلق «دروفتي» نفسه على هذه المعلومات التي ظفر بها بقوله: «وهكذا يتضح أن تسليم الأسرى لم يكن في واقع الأمر إلا حجة تذرع بها «ريفارولا» للقيام بمهمته التي غرضها الحقيقي جس نبض الباشا لمعرفة نواياه الصحيحة، وما إذا كان لا يزال مصمما على التمسك بتلك الأغراض التي ذكرها ترجمانه أثناء مباحثاته مع القائد الإنجليزي في شهر مايو.

ولا شك أن الباشا قد لقي تأييدا في هذه المفاوضة من جانب القنصلين: الإنجليزي والروسي، «روشتي» و«بتروتشي»، ولما كان هذان قد نجحا في استمالة كل أفراد حاشية محمد علي، وخصوصا الترجمان الذي اشترياه بالمال، فلا يبعث على الدهشة أنهما نجحا كذلك في جعل الباشا يقبل المشورة التي أظهرت الوصول إلى اتفاق وتسوية مع الإنجليز كخير وسيلة لتحقيق ذلك الاستقلال الذي يصبو إليه، وأما فيما يتعلق بهذا الموضوع الأخير، أجد من واجبي أن أذكر لكم أن هذا الباشا لم يتردد بتاتا في إفهامي، أنه إذا استطاع طرد الإنجليز من مصر، فسوف يأمل حينئذ نظير دفع خراج سنوي إلى الباب العالي في الحصول من هذا الأخير على قدر من التحرر من سلطانه مشابه لذلك الذي تمتع به أوجاقات الغرب.»

وكان من رأي «دروفتي» أن نجاح المفاوضات بين محمد علي والجنرال «فريزر» ليس بالأمر العسير؛ لأسباب عدة، منها: أن القائد الإنجليزي يذكر دائما في اتصالاته مع محمد علي أن حكومته قد أرسلته إلى مصر لغرض واحد فقط، هو منع الفرنسيين من النزول بها، ثم إن الوزير الإنجليزي الجديد (والمقصود هنا «كاسلريه») وهو الذي يقال عنه إنه قد رفع عقيرته بعدم الموافقة على هذه الحملة - يشعر بأن إرسال جند إلى مصر من شأنه تزويد أكثر من دولة بالأسباب التي سوف تتذرع بها لطرد الإنجليز منها، ويفيد محمد علي من هذه الظروف كثيرا، حتى إنه كثيرا ما هدد القائد الإنجليزي بأنه سوف يطلب من الإمبراطور نابليون نجدة، يستعين بها لإخراج الإنجليز من الإسكندرية، أضف إلى هذا كله الصعوبات التي تصادفها الحكومة الإنجليزية في نقل قوات كبيرة إلى مصر، حتى ولو كان ذلك لتعزيز حامية الإسكندرية فحسب، بصورة تبعث على الاحترام، وهي قوات تنقص يوميا بسبب قسوة المناخ، ولا سبيل لسد هذا النقص من جراء ما يقع من حوادث ذات شأن عظيم في أوروبا، تتطلب قبل كل شيء آخر عناية الإنجليز التامة بها، ومن المتوقع أن تجعل معركة «إيلاو»

Eylau - في 8 فبراير 1807 - وما ترتب عليها من نتائج إنجلترة الغادرة تشعر بأنه قد حان الوقت الذي صار لزاما عليهم فيه ألا يقصروا فتوحاتهم على ما يتناسب مع ما لديهم من قوات برية، وهذه الأسباب - في رأي «دروفتي» - هي التي جعلت الوزارة الإنجليزية تجد مفيدا لها إنشاء الصلات الطيبة مع محمد علي، وهي صلات توفي الغرض منها، هذه اللحظة بذاتها، إن لم يكن بصورة أفضل وأكمل من تلك التي أرادتها الوزارة الإنجليزية القديمة مع البكوات المماليك.

وتكلم «دروفتي» عن أهمية الاتفاق المنتظر بين محمد علي و«فريزر» فقال: «وواقع الأمر سوف ينطوي على إخلاء الإسكندرية بناء على اتفاق هو من نوع معاهدة (مبرمة بين محمد علي والإنجليز) على الاعتراف بذلك الاستقلال الذي يبغيه الباشا، وسوف يضمن عند الحاجة تزويده بالنجدات اللازمة لقتال العدو المشترك، وببعض المنح المالية لسد مطالب جيشه، ومن ناحية أخرى فإن هذا الاتفاق سوف يزود الإنجليز بالوسائل التي تمكنهم من تموين مالطة وأساطيلهم في البحر الأبيض، فضلا عن تأمين حرية العلاقات التجارية بين مصر وإنجلترة وحماية التجارة الإنجليزية في هذه البلاد، وتسهيل المواصلات مع الهند وغير ذلك، وإنه ليبدو لي أن مثل هذه المعاهدة عند إبرامها سوف تحقق الأغراض التي توخاها الإنجليز من إرسال حملتهم على مصر أي حملة «فريزر»، إن لم يفق أثرها من هذه الناحية على ما كان يتوقعه هؤلاء من إرسال هذه الحملة.»

واعتقد «دروفتي» أن الباشا سوف يقبل يقينا الاتفاق مع الإنجليز بسبب ميوله التي لاحظها نحو الاستقلال، فقال: «ويبدو أن كل ما ذكرته من طموح محمد علي ومشاريعه الاستقلالية من شأنه أن يؤيدني فيما ذهبت إليه من حيث عدم استبعاد قبول الباشا للمقترحات التي عرضها عليه الإنجليز طبقا للخطة التي رسمت لكم خطوطها إجمالا»، ومع ذلك، ومهما كانت الأحوال والظروف فقد أخذ «دروفتي» على عاتقه - كما ذكر في رسالته هذه - أن يبذل قصارى جهده لعرقلة مساعي الإنجليز أعداء فرنسا، وإبطال مشروعاتهم، ثم كان عندئذ أن راح «دروفتي» يشكو من الوضع الذي أوجدته به حكومته من جراء عدم إرسالها تعليماتها إليه، فقال: «ومن الوسائل التي يعتمد عليها «روشتي» و«بتروتشي» وأمثالهما في النيل من سمعته والحط من شأنه لدى محمد علي، قولهما أن «دروفتي» لم يصله أي خطاب من وزيره بينما تصل الرسائل باستمرار إلى «روشتي» من حكومته، بل وكثيرا ما يأتي بها إليه ططري خاص، الأمر الذي ينهض دليلا - كما يقولون - على أن «دروفتي» وكيل لا يكاد يكون لآرائه أي وزن لدى حكومته، ولا يستحق لذلك أن يكون أهلا لوضع أي ثقة فيه.»

تلك إذن كانت المعلومات التي جمعها «دروفتي» عن مفاوضات إمبابة، وتعليقاته عليها، ولعل أبرز ما ذكره «دروفتي» في رسالته هذه بالنسبة للدوافع التي تجعل محمد علي في نظره راغبا في الاتفاق مع الإنجليز، ميول الباشا الاستقلالية التي فسرها القنصل الفرنسي بمسعى محمد علي من أجل الحصول على وضع مشابه لذلك الذي تتمتع به وجاقات الغرب، في علاقاتها مع الباب العالي، والمعروف عن هذه أنها كانت تخضع خضوعا اسميا للسلطان العثماني، ولا يتدخل هذا في شئون الحكم بها، على نحو ما سيأتي ذكره مفصلا في موضعه.

ومن الواضح أن الباشا، وهو الذي لم يركن كثيرا إلى إمكان الظفر بهذا الوضع الذي يريده من الباب العالي بسهولة، كان يجد في مؤازرة الإنجليز له خير ضمان لبلوغ هذه الغاية، طالما قد رضي بالتعاون معهم ضد فرنسا لمنعها من غزو مصر، فاعتبر الأتراك - حلفاءها وقتئذ وأعداء الإنجليز - أعداءه كذلك، ويترتب على محالفته نفسه مع الإنجليز أن يبادر هؤلاء بإبطال أية محاولة قد يقوم بها الباب العالي لإخراجه من الحكم في مصر، وثمة مزية هامة أخرى لم يفت إدراكها «دروفتي» أيضا هي أن حصول الاتفاق مباشرة بين محمد علي وبين الإنجليز، وسواء قبل الأخيرون المحالفة معه أو رفضوها، من شأنه ما دام قد حدث عن غير طريق الباب العالي صاحب السيادة الشرعية عليه، وصاحب هذه البلاد قانونا، أن يمهد للاعتراف بذلك الوضع الممتاز الذي أراده محمد علي لباشويته في مصر على غرار باشويات أو نيابات وجاقات الغرب، وكان عقد المعاهدات من السلطات التي مارستها هذه الأخيرة في ممارسة شئونها وفي علاقاتها مع الدول الأجنبية.

وقد سهل على «دروفتي» جمع هذه المعلومات التي ذكرها في رسالتيه هاتين، زيارته للباشا في معسكره بإمبابة مع المشايخ والعلماء وأعيان القاهرة، و«روشتي» يوم 11 أغسطس لتحية محمد علي الذي أقام احتفالا وعمل شنكا مساء يوم 20 أغسطس، ثم أصدر أمره بالرحيل صوب دمنهور في صبيحة اليوم التالي، وبدأ جيشه بالزحف إليها وفي طريقه إلى الإسكندرية قريب الزوال يوم 21 أغسطس.

وحدث عند وصول الباشا إلى الرحمانية أن بعث يطلب الشيخ إسماعيل عبد اللطيف شيخ دسوق وصاحب الرسالة المعروفة إلى الجنرال «ستيوارت» في 16 أبريل أثناء حصار الإنجليز لرشيد في هجومهم الثاني عليها، فأرسل إليه طائفة من العسكر، فلما أتوا إليه امتنع، وقال: ما يريد الباشا مني؟ أخبروني وأنا أدفعه إن كان غرامة أو كلفة، فقالوا: لا ندري، وإنما أمرنا بإحضارك، فشاغلهم بالطعام والقهوة، ووزع بهائمه وحريمه والذي يخاف عليه، وفي الوقت وصلت مراكب وبها عساكر وطلعوا إلى البر، فركب شيخ البلد خيوله وخيالته واستعد لحربهم، وحاربهم وأبلى معهم، وقتل منهم عدة كبيرة، ثم ولى هاربا، فدخل العسكر إلى البلد ونهبوها، وأخذوا ما وجدوه في دور أهلها، وكان انتقام الأرنئود شديدا من خيانة الشيخ وعصيانه، فعبروا مقام السيد الدسوقي، وذبحوا من وجدوه من المجاورين، وفيهم من طلبة العلم العواجز.

Bog aan la aqoon