220

Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Noocyada

فقد تقدم كيف اعتبر «فريزر» غير معقولة وغير مفهومة، تلك المقترحات التي قدمها ترجمان محمد علي إليه في مايو 1807، من أجل الصلح على أساس جلاء الإنجليز عن الإسكندرية، وتسليمها إلى محمد علي لقاء أن يطلق الباشا سراح أسراهم، وأن يعقد محالفة ضد أعدائهم وأعدائه على السواء من فرنسيين وعثمانيين، وأسفر جس النبض في هذه المرحلة عن تيقن محمد علي أن الإنجليز لن يتنازلوا مختارين عن الإسكندرية، ولو أنهم يظهرون في الوقت نفسه ميلا لاستئناف علاقات المودة والصداقة معه، ولم يغلقوا باب التفاهم والاتفاق على الأقل فيما يتعلق بمسألة إطلاق سراح أسراهم، ثم كيف أن محمد علي قد شغل بعد ذلك بإنجاز استعداداته من الناحيتين السياسية والعسكرية تهيؤا للزحف على الإسكندرية، فتوقفت المفاوضات بينه وبين «فريزر»، واستمرت معطلة مدة، حتى إذا فرغ الباشا من تجهيزاته، وانتقل إلى إمبابة يوم 8 أغسطس، حضر «ريفارولا» من جانب الجنرال «فريزر» لاستئناف المفاوضة معه.

وأما السبب الذي جعل «فريزر» يقرر المبادأة من جانبه في فتح باب المفاوضة هذه المرة مع محمد علي، فهو أن «فوكس» بعث إليه بالتعليمات التي أصدرها «كاسلريه» إلى هذا الأخير في 17 مايو، فوصلت هذه إلى «فريزر» في يوليو، وقد أجاب عليها هذا في 24 يوليو، وكان أهم ما استرعى نظره منها احتوت عليه من تعليمات - كما قال - تبين احتمال حدوث الجلاء عن البلاد وإخلاء الإسكندرية ، وتوصيه بضرورة عدم الارتباط بأية وعود غير حكيمة تسيء إلى شرف حكومته، وتكون سببا في توريطها في نشاط قد يعوق سحب جيشها من البلاد عندما يصح عزمها على إصدار قرارها النهائي بالخروج من هذه البلاد.

وقد كان هذا التحذير الأخير كافيا لأن يحمل «فريزر» على إرسال صورة طي رسالته السالفة الذكر إلى «فوكس» في 24 يوليو من منشوره الأصلي الذي أذاعه عند هبوطه إلى الشاطئ المصري واستيلائه على الإسكندرية؛ لبيان الغرض من مجيء حملته إلى هذه الديار، ثم إرسال آخر ما وصله من كتب الرؤساء المماليك، كما أن الإشارة إلى احتمال إخلاء الإسكندرية وإلى أنه ليس في عزم حكومته امتلاك مصر، قد جعلته يبغي من ناحية أخرى جس نبض محمد علي، في خير الشروط التي يستطيع الظفر بها منه لقاء الجلاء عن الإسكندرية عندما يصدر إليه الأمر بإخلائها، وكما اتخذ محمد علي من مسألة تبادل الأسرى ذريعة لجس نبض «فريزر» وبدء المفاوضة معه، فقد اتخذ هذا الأخير مسألة إطلاق سراح الأسرى الإنجليز ذريعة لاستئناف المفاوضة مع الباشا والوقوف على حقيقة نواياه نحو الإنجليز عموما، فعمد إلى إرسال «ريفارولا» إليه، والأخير من أصل كورسيكي، التحق بالخدمة في آلاي صقلية.

وقد وصل «ريفارولا» إلى معسكر الباشا في إمبابة - كما عرفنا - يوم 10 أغسطس، ولما كان محمد علي بالرغم من استعداداته لا يزال يؤثر - للأسباب التي بسطناها - الاتفاق مع الإنجليز على قتالهم، فقد رحب بهذه الفرصة المواتية لاستئناف المفاوضة معهم لعله يظفر باتفاق يمكنه من الاستيلاء على الإسكندرية سلما، ويكسب بفضله صداقة الإنجليز والتحالف معهم، فأطلق أحد عشر مدفعا تحية لقدوم هذا المفاوض الجديد، وأكرمه بإنزاله هو وصحبه في خيمة بمخيمه بإمبابة، واستعد للمفاوضة معه دون إبطاء، ولكنه سرعان ما وقع لهؤلاء حادث عاقهم عن مقابلة الباشا فورا، ذكره الشيخ الجبرتي في حوادث 5 جمادي الثانية 1222 الموافق 10 أغسطس 1807، فقال: «وفي خامسه حضر قابجي من طرف الإنجليز وصحبته أشخاص، فأنزلهم الباشا في خيمة بمخيمه بإمبابة فرقدوا بها ليأخذوا لهم راحة، وناموا، فلما استيقظوا فلم يجدوا ثيابهم، وسطا عليهم السراق فشلحوهم، فأوصلوا إلى حارة الفرنساوية، فأتوا لهم بثياب وقفوات لبسوها.»

وقد اهتم «دروفتي» بهذه المفاوضات التي جرت في إمبابة، وحاول أن يقف على حقيقتها من الباشا الذي لم يشأ إطلاعه على تفاصيلها، لنفس الأسباب التي ذكرناها عند الكلام عن مهمة ترجمان محمد علي والكابتن «ديلانسي» في الإسكندرية، ولكن «دروفتي» الذي خشي من عواقب هذه المفاوضة وما سوف ينجم عنها من أذى يلحق بالمصالح الفرنسية إذا عقد الصلح بين الباشا والإنجليز، واستطاع هؤلاء استمالة محمد علي إلى تعزيز نفوذهم في مصر، لم يلبث أن أخذ يسعى بوسائله الخاصة لمعرفة ما دار بين الفريقين في إمبابة، ثم بعث بالمعلومات التي وقف عليها إلى السفير الفرنسي في القسطنطينية في رسالتين بتاريخ 16، 19 أغسطس.

وعلل «دروفتي» في رسالته الأولى السبب الذي حدا - في نظره - بالجنرال «فريزر» إلى إيفاد مندوبه إلى محمد علي، بأنه عدم تشدد الباشا في منع المؤن والمتاجر من الدخول إلى الإسكندرية؛ حيث أعطى «بتروتشي»، بوصفه قنصل السويد، تسهيلات عدة مكنته من إرسال مركبين إليها، وسقتا بالبضائع لحسابه، فشجع هذا القائد الإنجليزي على استئناف المفاوضة مع محمد علي، ثم ذكر «دروفتي» ما حدث فقال: إن الجنرال «فريزر» قد بعث مع مندوبه أي «ريفارولا» بكتاب يطلب فيه إطلاق سراح الأسرى الإنجليز في نظير التعهد بأن هؤلاء لن يحملوا سلاحا بعد ذلك ضد تركيا طوال مدة هذه الحرب بين هذه الأخيرة وبين إنجلترة، وعلاوة على ذلك فقد أفهم محمد علي أن بوسعه المباحثة مع هذا الضابط في شروط الصلح التي تناسبه، وعرف «دروفتي» جواب الباشا على هذه المقترحات، وفحواه أن محمد علي قد اشترط كأساس للدخول في أية مفاوضة مع الإنجليز إخلاء هؤلاء للإسكندرية وجلاءهم عنها.

ولما كان «ريفارولا» قد أحضر معه قدحا للقهوة مرصعا بالماس هدية من «فريزر» إلى محمد علي، فقد أهدى هذا الأخير القائد الإنجليزي أربعة خيول مطهمة، ولم يشأ الباشا غلق باب المفاوضة، كما أنه أراد من جهة أخرى إشعار «ريفارولا» بأنه مصر على انتزاع الإسكندرية عنوة من أيدي الإنجليز إذا رفض هؤلاء تسليمها إليه طوعا، فقال: إن هؤلاء سوف يتلقون منه جوابا أخيرا على مقترحاتهم لدى وصوله إلى دمنهور، وفي 17 أغسطس غادر «ريفارولا» إمبابة عائدا إلى الإسكندرية.

واستطاع «دروفتي» أن يحصل على معلومات أوفى عن هذه المفاوضة لم يلبث أن بعث بها إلى «سباستياني» في 19 أغسطس، وكان في رسالته هذه أن شكا «دروفتي» من تحذر الباشا وحيطته في أحاديثه معه، وامتناعه من إخبار «دروفتي» بحقيقة الرد الذي أجاب به على مقترحات الجنرال «فريزر» حتى إن «دروفتي» صار يسعى بوسائله الخاصة - كما قدمنا - لمعرفته، وقد تكللت جهود «دروفتي» بالنجاح لدرجة أنه استطاع ليس الوقوف على تفصيلات هامة لما جرى في إمبابة فحسب، بل وكشف البواعث - كذلك - التي جعلت الباشا راغبا في الاتفاق مع الإنجليز ومحالفتهم، ولبيانات «دروفتي» هذه التي بعث بها إلى «سباستياني» أهمية أخرى كبيرة؛ أولا: من حيث إنها تكشف كذلك عن تقصير حكومته في تزويده بالتعليمات التي كان يلح في المطالبة بها، الأمر الذي اتخذ منه خصومه السياسيون في هذه البلاد سبيلا لتجريحه والطعن عليه لدى محمد علي، ثم إن هذه البيانات ثانيا: توضح الطريقة التي عالج بها القنصل الفرنسي ما قد يترتب على الاتفاق، إذا تم بين محمد علي و«فريزر» من نتائج متصلة بوضع الباشا السياسي في علاقاته مع الباب العالي من ناحية، ومع الدول الأجنبية من ناحية أخرى.

فقد بدأ «دروفتي» بياناته هذه بقوله: إن جوابه على مقترحات القائد الإنجليزي كان مفرغا في عبارات فحواها أنه لم يفقد الأمل بتاتا في إمكان الوصول إلى اتفاق مع الإنجليز على الرغم من غزوهم لأرضه، وأنه يوافق على تسليم أسراهم إليه بشريطة أن يجلوا عن الإسكندرية، وأنه بمجرد التفاهم على هذا الاتفاق المبدئي، يشرع في المفاوضة معهم للوصول إلى اتفاق تجني منه السياسة الإنجليزية ومصالح الأمة الإنجليزية التجارية في مصر فوائد عظيمة، ثم استطرد «دروفتي» يقول إنه علم أن الباشا في مقابلته الأخيرة مع «ريفارولا» قد قدم له دليلا على رغبته في عودة السلام هو أنه ترك دائما المؤن تأتي إلى الإسكندرية بواسطة طرق كان في وسعه إغلاقها، ثم إنه صرح له بأنه ينبغي أن تسود العلاقات الطيبة بينه وبين جميع الدول الأوروبية ما دامت هذه لا تقترب من مملكته؛ أي لا تريد به شرا، ثم إنه جعل «ريفارولا» يدرك أنه (أي الباشا) يدخل في مشروعاته استدعاء جيش فرنسي لنجدته إذا وجد أنه يعجز عن الاستيلاء على الإسكندرية بالقوات التي لديه فقط.

وأما «ريفارولا» فقد ذكر «دروفتي» أنه جعل الباشا يأمل في إمكان الوصول إلى اتفاق مع «فريزر»، وأكد له أنه سوف يعود لمقابلته بمجرد أن يقترب من الإسكندرية.

Bog aan la aqoon