213

Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Noocyada

وقد بادر «دروفتي» بالكتابة إلى «سباستياني» في 27 مايو، يبلغه ما استطاع الوقوف عليه من نتائج هذه المفاوضة، فقال: إن «فريزر» قد وجد من المناسب الدخول في المفاوضة مع محمد علي، واقترح أن تأتيه تعليمات حكومته بصدد المقترحات التي قدمها إليها ترجمان الباشا - وهي المقترحات التي أبلغ محمد علي نفسه فحواها إلى «دروفتي» ولم يشر فيها الباشا من قريب أو بعيد إلى المحالفة التي عرضها على «فريزر» - أن تقف الأعمال العدوانية بين الفريقين، وأن تطلق حرية المعاملات التجارية بين الإسكندرية وبين القاهرة وغيرها من مدن القطر، ثم أكد القائد الإنجليزي عدم استطاعته التخلي عن الإسكندرية، وذكر سانت مارسيل بعد أيام قلائل أول يوليو أن الإنجليز يريدون تأسيس محطات تجارية بين الإسكندرية والقاهرة، ولكن الباشا يعرف النتائج التي تترتب على إنشاء هذا الخط من المواصلات الذي من شأنه أن يمهد لحدوث أنواع من الإغراءات والمناورات ذات العواقب السيئة.

ولم يصل «فريزر» في الأيام التالية أي جواب من محمد علي بالرغم من تأكيد ترجمان الباشا له عند مبارحته الإسكندرية أنه سوف يسمع قريبا جدا من سيده، فقال «فريزر» في كتابيه إلى «وندهام» وإلى «فوكس» أنه لم يبلغه أي خبر من محمد علي في القاهرة منذ رسائله الأخيرة إليهما، وفي 16 يونيو بعث إلى «وندهام» يقول إنه منذ رسالته بتاريخ 30 مايو لم يبلغه شيء من محمد علي سواء فيما يتعلق بمسألة الأسرى، أو بالمقترحات التي عرضها علينا بطريق ترجمانه عن رغبته في إنشاء الصلات الودية معنا، وقد تقدم كيف أن «فريزر» عزا هذا السكوت من جانب محمد علي إلى انشغال هذا الأخير بمسألة ياسين بك الأرنئودي الذي قال عنه «فريزر»: إنه تارة ينحاز إلى المماليك، وتارة أخرى إلى محمد علي، وقد ذكر «فريزر» في رسالته هذه أن قتالا قد نشب من مدة قريبة بين جند الباشا وبين جند ياسين، انتصر فيه هؤلاء الأخيرون، والحقيقة أن الباشا الذي أدرك عدم جدوى استئناف المفاوضة قبل أن يقوى مركزه بالدرجة التي تقنع الإنجليز بأنه من الخير لهم الاتفاق والصلح معه، وكان قد صرف كل جهده في الشهور القليلة التالية لإنجاز استعداداته العسكرية، وإخماد حركة العصيان التي قام بها ياسين بك، ومحاولة حمل البكوات المماليك على التزام خطة الحياد على الأقل عند استئناف العمليات العسكرية ضد الإنجليز، وهكذا ركدت المفاوضات فترة من الزمن.

على أنه إذا كان محمد علي قد انشغل في المدة التالية بمفاوضاته مع المماليك وتجهيز جيشه، وإذا كان «فريزر» قد انشغل من ناحيته بإنجاز تحصين الإسكندرية، وتقوية خطوط دفاعه عنها، وتزويدها بالمؤن والأغذية، واستقبال النجدات التي أتته مع «شربروك» في 29 مايو، فقد كان «مسيت» من ناحيته دائب النشاط لتحقيق ما أخذ على عاتقه أن يفعله، وهو إبطال حصول أي اتفاق أو محالفة مع محمد علي، فراح يكتب إلى «كاسلريه» في 29 مايو، وإلى «جورج كاننج»

Canning

في 13 يونيو - وزير الخارجية في وزارة «بورتلاند»

- ثم إلى «كاسلريه» مرة أخرى في 17 يونيو، ومرة ثالثة في 23 يوليو، يدعو إما صراحة وإما بطريق الإيحاء أو التلميح والإشارة إلى أمور ثلاثة؛ عدم الاتفاق مع محمد علي، بل العمل بدلا من ذلك على طرده من الحكم والولاية وإبعاده هو والأرنئود من هذه البلاد، ثم استمرار المحالفة مع البكوات المماليك والركون إلى أنهم سوف يؤازرون الإنجليز في عملياتهم العسكرية في النهاية، وأخيرا عدم التخلي عن الإسكندرية والتمسك بها مهما كانت الظروف والأحوال؛ أي إن «مسيت» حاول أن يفرض على حكومته ذلك البرنامج الذي سعى هو من قديم إلى تحقيقه، والذي كان أحد عواقبه كل ما حل بحملة «فريزر» من هزائم، وتستبين الحجج التي استند عليها «مسيت» في تعزيز وجهة نظره بمراجعة رسائله إلى «كاسلريه» و«كاننج» في هذه الفترة.

أما رسالته الأولى إلى «كاسلريه» بتاريخ 29 مايو، فكانت مناسبتها ورود رسالة إلى «مسيت» من شاهين بك الألفي، تصف ما يحدث من مكائد ومؤامرات في المعسكر المملوكي، وتوضح الأسباب التي تمنع البكوات من الانضمام إلى الإنجليز في الوقت الحاضر إما عن عجز - كما قال - وإما عن عدم رغبتهم في ذلك، وقد سبق ذكر ما تضمنته هذه الرسالة، وما جاء بخطاب شاهين الألفي إلى «مسيت»، وأما رسالته إلى «جورج كاننج» بتاريخ 13 يونيو، فكانت مناسبتها ما بلغه من السير «ألكسندر بول» حاكم مالطة عن إرسال حكومة روسيا أحد وزرائها للمفاوضة في الصلح مع الباب العالي، وأنه من المتوقع لذلك أن توفد الحكومة الإنجليزية أحد سفرائها إلى القسطنطينية للتعاون مع الوزير الروسي في هذه المفاوضة، فرأى «مسيت» من واجبه أن يعرض على «كاننج» بعض ملاحظاته عن الموقف السياسي في مصر.

وقد استهل «مسيت» هذا العرض بقوله: «إن محمد علي - باشا مصر الحالي - مدين لدرجة كبيرة في المركز الذي يشغله الآن لمكائد ومؤامرات وكلاء فرنسا وتشجيعهم ونصحهم له، ورضي لبضعة شهور بعد استلامه أزمة الحكم في هذه البلاد بأن يرضخ تماما لإرشاداتهم، ولقد نجحت بعد ذلك في أن أثير في ذهنه الشك من ناحية إخلاص نوايا أصدقائه هؤلاء المزعومين، ولم يعد لدي من الأسباب بعد هذا ما يجعلني أشكو من أنه يبدي تحيزا للأمة الفرنسية، ولكنني أخشى أن يجعله التحالف القائم الآن بين فرنسا والباب العالي، وعلى وجه الخصوص ذلك النفوذ الذي صار لكبير الوكلاء الفرنسيين «دروفتي» عليه منذ نزول الجنود البريطانيين الأخير في هذه البلاد، أقوى ارتباطا من أي وقت مضى بمصلحة العدو (فرنسا)، حقيقة لقد رغب من أمد طويل أن يصبح مستقلا عن الباب العالي، وربما يتسنى إغراؤه بفصم كل علاقاته وارتباطاته مع فرنسا، لو أننا رضينا بمؤازرته مؤازرة قوية على بلوغ غرضه وتحقيق أطماعه، ولكنه من غير المحتمل - على ما يبدو - حين عودة السلام بين بريطانيا العظمى والباب العالي أن يعمد وزراء جلالة الملك (الحكومة الإنجليزية) إلى اتباع تدبير سياسي من هذا الطراز فيما يتعلق بمصر، فلقد دلت تجارب سنوات عدة على أنه طالما بقي الجيش العثماني في مصر يتألف أكبر قسم منه من الأرنئود، فمن المتعذر بتاتا أن تحظى هذه البلاد بعهد من النظام والهدوء والسكينة، بل على العكس من ذلك، فإن ما تتصف به العصابات من الجند المرتزقة من غدر وخيانة، من شأنه أن يرمي بالبلاد في أحضان ثورات متتابعة يمتنع بسببها عن الحكومة القائمة التمتع بأي استقرار وقوة يلزمانها لمقاومة الأعداء الذين قد يغزون هذه البلاد مقاومة نشيطة فعالة.

وبسبب هذه الظروف إذن، ولأنه لا يساورني أي شك في أن حكومة جلالة الملك سوى ترى من الحكمة وأصالة الرأي الاحتفاظ بالإسكندرية على الأقل، حتى يتم عقد السلام العام، يبدو لي ضروريا أن تعمل الحكومة البريطانية على إرغام محمد علي والأرنئود سويا على إخلاء هذه البلاد، وأن تعمل على إعادة تأسيس الحكومة المملوكية بها، فبهذه الوسيلة وحدها يمكن إنهاء الحروب الأهلية التي جرت الخراب على هذا القطر الذي عرف في الماضي بخصوبة أرضه، فتنتعش التجارة والزراعة مرة أخرى، وتضمن الفوائد التي سوف يجنيها الأهلون من هذا الانتعاش استعلاء نفوذنا، ولا أشك في أن البكوات لقاء إرجاع حقوقهم وامتيازاتهم القديمة إليهم، سوف يقبلون مختارين الدخول في اتفاق معنا من أجل الدفاع عن البلاد إذا وقع هجوم عليها.

ومنذ أن صارت للأرنئود السيطرة في القاهرة، لم يظفر الباب العالي بشيء من إيرادات مصر، ولقد أعلن الباب العالي من وقت مضى بعد هذا الحادث أن الأرنئود عصاة متمردون، ومرد امتلاكهم دون منازع لهذه البلاد التي اغتصبوها، إنما هو إلى وهن الباب العالي وعجزه؛ ولذلك فلا يسع الباب العالي إلا أن يشكر لجلالة الملك فضله لاستخدامه جنده في استرجاع مقاطعة كهذه، وردها إليه بعد أن كان قد فقدها.

Bog aan la aqoon