Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Noocyada
Tarleton
مع بعض القوات إلى الحماد، على أن يدفع العدو عن هذا الموقع إلى ما وراء النهر، إما أثناء الليل أو في الساعات المبكرة من صبيحة اليوم التالي، وصدر أمر في الوقت إلى «فوجلسانج» بإضافة سرية من قواته إلى جنود «تارلتون» وافترض «ستيوارت» أن الأرنئود لا يحتلون «أدفينا» بكل قواتهم، وأن لديهم فرسانا على هذا الجانب من النهر؛ ولذلك فقد ترك جند «تارلتون» عتادهم وراءهم عندما ساروا في صباح 20 أبريل زاحفين في السهل، ولكن «تارلتون» ما لبث أن قرر الانسحاب عندما لاحظ وجود قوات كبيرة من فرسان العدو، فلم يشأ المجازفة بالاشتباك معهم، وكان عندئذ أن ارتكب خطأ كبيرا بتقسيم قواته إلى قسمين، واحد منهما يسير معه صوب مراكز الإنجليز إلى يسارها، والثاني للدخول في قرية الحماد ذاتها، ففاجأ فرسان العدو هذا القسم وأحاطوا به وقتلوا ثلثي الجنود - وكان هؤلاء الفرسان من جيش حسن باشا - وبلغ نبأ هذه الهزيمة «ستيوارت» قبل ظهر هذا اليوم بساعة واحدة، فقرر فورا إرسال نجدة إلى الحماد على رأسها «ماكليود» و«ديلانسي»، ثم أرسل بعد الظهر سريتين أخريين، وصلت جميعها سالمة إلى الحماد، وقد ترتب على فصل هذه السريات من الجيش الرئيسي أمام رشيد أن لحق الضعف بخط الإنجليز عند رشيد، ثم إن العدو شهد حركاتهم، وعرف عدد قواتهم رجلا رجلا، وكان في استطاعته تحريك قواته هو حسبما أراد، وصارت حال الخط لذلك دقيقة بدرجة خطيرة، وكان معنى تضييق الخط ترك بعض تحصينات الميدان أو المتاريس والمواقع التي مأنتها وإغراء العدو على الإحاطة بالإنجليز وتطويقهم، وتدخل حسن الحظ وقتئذ لإنقاذ الإنجليز عندما أغفل الأرنئود فعل ذلك.
وأما «ماكليود» فقد أبلغ من الحماد أن الموقع لا بأس به، ويمكن صد أي هجوم يقع عليه، وأن الهزيمة التي حدثت في الصباح كان سببها عدم الحيطة وعدم النظام في السير، ولم يرتح «ستيوارت» لتقرير «ماكليود» وقرر أن يقوم هو شخصيا بتفتيش الموقع، ثم إنه ما بدأ يسير نحو الحماد حتى كاد يحيط به فرسان العدو ويأسرونه، ولكنه استطاع الوصول بسلام، وقام بتفتيش الموقع في المساء ووجد به مواطن ضعف كثيرة، واتفق مع «ماكليود» على أن يثابر هذا الأخير في الدفاع عن الحماد أطول مدة ممكنة، ولكن عليه إذا وجد نفسه مهددا بهجوم قوي من جانب فرسان العدو، أو أن هؤلاء سوف يستديرون خلفه، أن يجمع كل قواته ويتقهقر بها إلى البحيرة (بحيرة إدكو) التي تؤمن في واقع الأمر أحد جناحيه، وأما إذا تعذر عليه الدفاع أو التقهقر إلى البحيرة فعليه حينئذ أن ينسحب بقواته إلى مرتفعات رشيد، حيث ينضم هناك إلى الجيش الرئيسي، وقرر «ستيوارت» في الوقت نفسه إذا لم يحضر المماليك يوم 21 أبريل وعلم محققا أنهم لن يحضروا، أن يأمر بتقهقر الجيش بأسره في الليلة التالية؛ أي ليل 21 أبريل، وعاد «ستيوارت» إلى معسكره أمام رشيد في الساعة الثانية من صباح يوم 21 أبريل، وتقرر بالاتفاق مع «هالويل» أن تجرى في هذا النهار كل الترتيبات اللازمة لتقهقر الجيش في المساء، مع اتخاذ جانب الحيطة حتى لا يشعر الجيش بهذا العزم على التقهقر، وأبلغت التعليمات في هذا الشأن سرا إلى «هالويل» و«أسوالد» وغيرهما، ولكن هذه الترتيبات جميعها جاءت متأخرة.
فقد قويت روح الأرنئود المعنوية بسبب النصر الذي أدركه فرسان جيش حسن باشا صباح يوم 20 أبريل، وبعث حسن باشا بالأسرى الإنجليز ورءوس قتلاهم المقطوعة إلى معسكر «طبوز أوغلي» على الشاطئ الآخر في برنبال، وكان «طبوز أوغلي» قبل ذلك متحيرا فيما يجب عليه فعله: هل ينضم إلى قوات حسن باشا عند الحماد؟ أم يدخل رشيد ذاتها؟ فلم يلبث وصول الأسرى والرءوس المقطوعة أن جعله يقرر الانضمام إلى حسن باشا، فعبر جنوده النهر أثناء الليل (ليل 20-21 أبريل) ونزلوا على مسافة فرسخ واحد فوق خطوط الإنجليز استعدادا للهجوم على الحماد عند طلوع النهار، ومع أن الإنجليز كان لهم مركز للاستكشاف في برج أبي منضور فقد عجزوا - بسبب انتشار شبورة كثيفة صباح يوم 21 أبريل - عن مشاهدة حركات العدو، حتى إذا تقدم النهار، وانقشعت هذه، شاهدوا في أعلى النهر عددا كبيرا من القوارب مع سفينتين مسلحتين بمدافع ثقيلة، ونقل الخبر في التو والساعة إلى «ستيوارت»، ولكنه أرجأ اتخاذ أي قرار فيما يجب عمله حتى يصله تقرير «ماكليود» الذي ما لبث أن جاءه بعد قليل وفيه يقول: «إن فرسان العدو لم تشاهد في هذا اليوم، ولكن لدهشتي العظيمة أرى حوالي الستين أو السبعين من القنجات أو القوارب يؤيدها إبريق عظيم الحجم تسير في النيل في اتجاهنا، ولا أدري ماذا أقول في ذلك، بلا شك يبدو أن هذه نجدات آتية للعدو، ونجدات كبيرة جدا، وأعتقد أن هناك قوارب مدفعية بين هذه القنجات، وواجبي أن أتهيأ للتقهقر على مركزك، فابعث إلي بأقصى سرعة ممكنة بما تراه»، هذه الرسالة وصلت «ستيوارت» حوالي السابعة من صباح 21 أبريل، فأجاب «ستيوارت» فورا على رسالة «ماكليود»، ولكن الجندي حامل هذا الجواب لم ينجح في الوصول إلى الحماد، ومع أن «ستيوارت» بعث كذلك بنجدات إليها برئاسة الكابتن «أكورت»
A’Court
فقد حال فرسان العدو بينه وبين الوصول إلى الحماد واضطر إلى النكوص على عقبيه، فلم يبق هناك من وسيلة سوى ذهاب «ستيوارت» نفسه بقواته جميعا لنجدة «ماكليود» فأمر برفع الحصار عن رشيد فورا، وبدأ الزحف صوب الحماد، وشاهد الأرنئود هذا التقهقر فخرجوا من المدينة بقوات عديدة، وشنوا هجوما عاما على كل المواقع، وحصل التحام بالسونكي، ولكن الإنجليز استطاعوا الوصول إلى السهل، واستمر فرسان العدو يطاردونهم في تقهقرهم، وكان غرض الجيش المتقهقر الانسحاب إلى بحيرة إدكو، حيث كان يرجو أن يلقى هناك عند القاعدة أو المخزن في طرف البحيرة جيش «ماكليود» المنسحب من الحماد.
وقد وصف أحد رجال جيش «ستيوارت» هذا التقهقر من رشيد إلى إدكو ثم ما جرى من حوادث، فقال: «وعندما اقتربنا من البحيرة، جاء إلى العدو الذي استمر يلاحق الإنجليز فرسان ومشاة من ناحية الحماد، بينهم قادة من طراز ممتاز، وقد طوقنا العدو عندئذ وأحاط بنا تماما وفي قوات عظيمة، ولكن الميسرة التي بلغت شاطئ البحيرة نصبت مدافعها وأنشأت دفاعا كافيا، والجيش الذي كان قد بدأ يتقهقر في صورة مستطيل اتخذ الآن شكلا ذا ثلاثة جوانب ... وقد وضعنا مدفعا كبيرا على شاطئ البحيرة الذي سببه تبخر المياه في هذه الناحية، فترك أرضا واسعة وصلدة، وأوقف هذا المدفع فرسان العدو على مسافة بعيدة منا، ولكن مشاة العدو أزعجونا إزعاجا كبيرا بإطلاقهم الرصاص من كثبان الرمال على المربع مباشرة، وفي هذا المكان افترق الطريق، فإلى اليمين منا يقود الطريق إلى الحماد، وإلى يسارنا يسير الطريق إلى إدكو، وفي هذا المكان كذلك كنا نتوقع أن نجد «ماكليود» ولكننا لم نلق أحدا، وقد أمر «ستيوارت» الجيش بالوقوف، ثم أشار إلى هذه الطرق المختلفة: أحدهما يفضي إلى إدكو ومن المحتمل إلى النجاة، والآخر إلى الحماد وهو الطريق الذي يقضي الواجب والشرف اتباعه، وقال إنه يعرف أن رجاله إنما يؤثرون هذا الطريق الأخير، والسير فيه؛ حتى يقفوا على ما حدث لزملائهم، ويعرفوا مصيرهم، وهم الذين من المحتمل أن يكون العدو قد أحاط بهم وطوقهم، ولا تتعادل قوتهم مع قوات هذا العدو ونيرانه، ويعتمدون على نجدة زملائهم لهم، ثم إنه أظهر تصميمه على مهاجمة العدو فورا، والسير في اتجاه الحماد إلى أن يتمكن من الوصول إلى مكان تتاح له الفرصة منه لمشاهدة هذا الموقع والجهات المجاورة له، وفي هذه اللحظة استمر العدو يمطرنا بوابل من الرصاص، وقد قمنا بهجوم عنيف على العدو أرغمه على الارتداد والهرب، ولا شك في أن مطاردة العدو المتقهقر وقتئذ كانت تلحق به خسائر كبيرة، ولكن «ستيوارت» كان مشغولا بمسألة الحماد، ولا يمكن أن يعوض انتصار وقتي ما يتبع ذلك من إضعاف جيش لا يزال أمامه واجب شاق لإنجازه، ثم تقهقر صعب لإتمامه، فتقدم الجيش صوب الحماد، ولم يبق أحد من العدو حتى لمراقبة حركته، بل شوهد العدو بدلا من ذلك يكاد يطير على كثبان الرمال من فرط السرعة التي هرب بها ربما خوفا من استدراجه بعيدا عن مراكزه المحصنة للالتحام في معركة لا يملك فيها المزايا التي تضمن له الانتصار، وكان حوالي الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 21 أبريل أن غير الجيش وجهته، وبعد مسيرة ساعة ونصف ساعة في اتجاه النيل، وصلنا إلى أرض تمكننا من مشاهدة شاطئ القناة عند الحماد والسهل الذي وراءها، ولكن شيئا ما لم يشاهد هناك سوى بعض فرسان العدو ينسحبون في راحة وبطء على الجانب الآخر من الموقع، ثم بعض خيام العدو مقامة على الشاطئ نفسه، وبعد الفحص الدقيق بالنظارات لم تلحظ أية آثار لميدان معركة، ومهما يكن مصير زملائنا، فالمقطوع به أنهم لم يكونوا هناك في خطوط الحماد، وقد سبب ذلك مخاوف عظيمة، ولم يعد هناك مناص من أن يعود «ستيوارت» أدراجه وأن يذهب الجيش إلى قرية إدكو، حيث يتوفر بها الماء والراحة، وفي السابعة مساء اليوم نفسه (21 أبريل) وصل الجيش إلى النقطة أو القاعدة أو المخزن التي كانت حتى الآن المكان الذي تجري مواصلاتنا منه مع الأسطول بواسطة القوارب، وقد وجدنا هنا الضابط البحري صاحب القيادة بها، يجهل كل ما حصل لنا، ثم إننا لم نجد «ماكليود»، ووقف الجند للراحة، ووزع عليهم الخبز والنبيذ، وأنزل الجرحى والعتاد إلى القوارب في البحيرة، واحتفظ الجيش بثلاثة مدافع فقط، واستمرت هذه العملية حتى العاشرة مساء وعندئذ بدأ السير.
وفي الواحدة من صبيحة 22 أبريل، وصلنا إلى قرية إدكو، وهنا كان الهدوء شاملا، وفي وسعنا الوقوف للراحة بها، ولكن الخوف من الطريق ويمتد أميالا ثلاثة، أوله يسير بحذاء البحيرة، حيث يكثر النخل والعشب الكثيف الملائم لهجوم الفرسان والمشاة، ثم يسير بعدها في صحراء رملية، حيث لا يخشى كثيرا من هذا الهجوم، فوجب استئناف السير فورا، ولم يمكن أخذ شيء من قرية إدكو سوى الماء، إذ تركها أهلها؛ لأن هؤلاء كانوا يعرفون جيد المعرفة أنهم سوف يتعرضون لانتقام مطاردينا الشديد إذا بقوا بها، وبعد أن اجتاز الجيش منطقة النخيل، وخرج إلى الطريق الصحراوي الرملي أظهر العدو نفسه في قوات كبيرة، وتبادل الجيش إطلاق النار معه، وأخيرا وصل المتقهقرون إلى قيروان سراي في الثالثة من بعد ظهر يوم 22 أبريل، وقد وصل باقي العتاد من إدكو بعد ذلك بقليل بفضل القوارب التي أرسلها «هالويل» لإحضاره.»
وقد استطرد صاحب التقرير إذا ذكر مسألة الأخبار التي جاءت «ستيوارت» متأخرة، وبعد فوات الفرصة عن مرور قوات الأرنئود من فوة يوم 18 أبريل لنجدة رشيد - وقد ذكرنا هذه المسألة في موضعها - فقال: «ولا يجب أن نغفل ذكر أنه كان في هذا اليوم أن شوهد قارب في البحيرة، يحمل رسالة من سفينة الأميرال «توماس لويس» إلى الجنرال «ستيوارت» في طيها رسالة من الميجور «مسيت» يقول فيها هذا الأخير إن معلومات أكيدة قد بلغته من فوة بأن جندا كثيرين قد مروا من هذا المكان يوم 18 أبريل، بعضهم في السفن، والبعض الآخر بطريق البر، قاصدين إلى رشيد ، وحيث إن فوة تبعد أربعين ميلا تقريبا من رشيد، فيكون العدو قد أتاح لنا الفرصة للحذر منه ومن حركاته في الوقت المناسب، غير أن حكم القضاء والقدر المحزن اقتضى أن تمر هذه المعلومات في طريق دائري أفقدها قيمتها، ولم يمكن الانتفاع بها، فقد كان الواجب أولا أن تأتي هذه المعلومات إلى الميجور «مسيت» في الإسكندرية، ثم إن هذا عليه بعد هضمها أن يبعث بها إلى الجنرال «فريزر» في خليج أي قير، ومن هناك عندما يسمح الجو والريح تنقل إلى الجيش الذي توقف مصيره على نوع المعلومات التي تأتيه؛ ولذلك فلو أن «مسيت» بقي في مركزه وقد تقدم كيف أنه غادر المعسكر يوم 11 أبريل أو ترك تعليمات بضرورة أن تأتي الأخبار والمعلومات أولا إلى «تابرنا» أو الشيخ محمود - وقد بقي هذان في المعسكر - كي يعلم بها «ستيوارت» فورا، فلو أن هذا حدث لكان من الممكن أن ينسحب في الوقت المناسب الجنود الذين بموقع الحماد، ولاستطاع الجيش عند اتحاده ثانية الرجوع أو الانسحاب إلى قيروان سراي رغم أنف كل الجيوش التي يتأمر عليها محمد علي.
وقد ترك الجنرال «ستيوارت» الذي يجهل لغة البلاد، وليس بجواره في المعسكر سوى «تابرنا» والشيخ محمود، وهما مع مهارتهما وذكائهما كانا مرءوسين لغيرهما فحسب، وهذا بينما بقي الكبار جميعهم في مراكز بعيدة، لا نفع ولا جدوى من بقائهم بها، ولا قدرة لهم على اتخاذ ما يجب من ضروب الحيطة والحذر لمنع الشر الذي كان من الطبيعي توقع حدوثه، ولقد دلت زيادة معرفتنا بمصر بعد ذلك، مع مبلغ السهولة التي يمكن بها الحصول على المعلومات والأخبار في هذه البلاد على أنه يكاد يكون أمرا لا يصدق أن يتم تجهيز مثل هذه القوات العظيمة في القاهرة، وأن تصل أمام مراكزنا دون أن يعرف شيء عنها، لقد قضى الأتراك ثلاثة أيام في سيرهم إلى فوة، ويجوز لنا افتراض أن حركاتهم كذلك كانت جميعها بطيئة، ومع ذلك، فإنه في بلاد يتجول في أنحائها العربي الذي لم تخضعه حكومتها، ومقابل قدر من المال في وسعك أن تجعله يذهب إلى أي مكان، ويفعل أي شيء تريده، خفيت حركات هؤلاء الأرنئود ومراحل تقدمهم على أولئك الذين يفصل اقترابهم منهم في مصيرهم، وبدأ انتقال جيش «ستيوارت» من قيروان سراي إلى أبي قير يوم 23 أبريل، وتمت هذه العملية في اليوم التالي، وعندئذ سار الجيش إلى الإسكندرية، فبلغ مرتفعاتها الشرقية - المكان الذي بدأ منه الزحف على رشيد - في اليوم نفسه أي في 24 أبريل 1807، وكان «ستيوارت» قبل ذلك قد أرسل اثنين من البدو ليأتياه بالخبر المحقق عن مصير «ماكليود» وجنده في الحماد.
Bog aan la aqoon