Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Noocyada
منذ مارس 1802، سفيرا لفرنسا بالقسطنطينية وأصدر إليه تعليماته نهائيا في 18 أكتوبر 1802، وفي 29 أغسطس أبلغ رغبته إلى تاليران وزير خارجيته بإيفاد المواطن هوراس سباستياني في مهمة إلى طرابلس الغرب ليحمل الحاكم بها على الاعتراف براية الجمهورية الإيطالية، ثم إلى الإسكندرية للتعرف على الحالة في مصر، ثم منها إلى يافا ليتفقد شئون فلسطين، ثم إلى عكا وأزمير وزنطة وكيفالونيا وكورفو، ومن الأخيرة إلى فرنسا، وفي 5 سبتمبر أصدر إليه تعليماته.
ومع أن بونابرت أراد أن يرسل سريعا قومسييرين (أو مندوبين) تجاريين إلى مصر، لكنه اعتبر ملء منصب القومسيير العام عملا يمس كرامة فرنسا في وقت كان لا يزال فيه الجيش البريطاني بمصر؛ ولذلك فقد اكتفى القنصل الأول بإصدار أوامر من «سان كلو» بتعيين المواطن دروفتي
Drovetti «القاضي بمحكمة تورين» مساعد قومسيير للعلاقات التجارية بالإسكندرية في 20 أكتوبر، ولو أن ذهاب دروفتي إلى مصر قد تعطل إلى أوائل العام التالي.
ويتضح من التعليمات التي أعطاها القنصل الأول لهؤلاء جميعا اهتمامه بتعجيل جلاء القوات الإنجليزية عن مصر، والإبقاء على الصلات التجارية والسياسية بين فرنسا ومصر، واستمالة البكوات المماليك لمناصرة المصالح الفرنسية دون أن يتسبب عن ذلك إغضاب الباب العالي، فطلب بونابرت من الجنرال برون (تعليمات 18 أكتوبر 1802) أن يبعث إليه بكل ما يستطيع جمعه من معلومات عن مجريات الأمور في مصر يوما بيوم مع العناية - على وجه الخصوص - ببيان العوامل التي يعتبرها السفير الفرنسي معوقة لإقامة السيطرة العثمانية في مصر، ثم طلب إليه الوقوف على وجهة نظر البريطانيين بشأن انسحاب قواتهم من مصر وإخلاء البلاد، وبيان مدى ما للإنجليز من علاقات مع البكوات المماليك، مع إظهار ما قد يعتمدون عليه من وسائل للاحتفاظ بمراكزهم في مصر إذا أرادوا البقاء بها بدلا من الجلاء عنها.
وفي التقرير الذي صدر لتاليران في 29 أغسطس 1802 بصدد بعثة سباستياني، طلب إليه القنصل الأول تزويد سباستياني بخطاب إلى باشا القاهرة يخطره بوصول قومسيير (أو مندوب) للعلاقات التجارية إلى الإسكندرية والقاهرة قريبا، كما طلب بونابرت من وزير خارجيته أن يسبق ذلك إيفاد أحد الضباط إلى مصر لمعرفة ما إذا كان الإنجليز قد أخلوا البلاد وفقا لمعاهدة أميان، وأن الهدوء مستتب ولا يوجد ما يمنع ذهاب القومسيير التجاري لملء منصبه في مصر .
ورأى بونابرت أن يحمل سباستياني معه كتابا من السفير العثماني إلى باشا القاهرة يوضح له فيه الغرض الأعظم أهمية من رحلته؛ وهو ملاحظة ما إذا كان الإنجليز قد أخلوا الإسكندرية أو لا يزالون في احتلالها، وطلب القنصل الأول أن تصحب الفرقاطة التي تحمل سباستياني إلى الإسكندرية مركب بريد حتى يتسنى له إبلاغ حكومته كافة المعلومات الخاصة بمركز الإنجليز، وكل ما يهم الحكومة الفرنسية معرفته عن حالة مصر.
وفي التعليمات التي صدرت لسباستياني نفسه في 5 سبتمبر سنة 1802 طلب إليه بونابرت بمجرد وصوله إلى الإسكندرية أن يدون مذكرات وافية عما قد يجده في مينائها من سفن الحرب، وعن قوات الإنجليز بهذا الثغر، وكذلك قوات الأتراك وحال التحصينات، وأن يسجل تاريخ كل ما وقع من حوادث منذ خروج الفرنسيين من الإسكندرية ومن مصر، وأن يجمع معلومات مفصلة عن حالة البلاد الراهنة، وأن يجتمع بالشيخ المسيري (وهو من أنصار الفرنسيين المعروفين، ومن كبار رؤساء الإسكندرية وأصحاب النفوذ بها) ومع رئيسي القوات الإنجليزية والعثمانية، فيسجل أحاديثه مع هؤلاء جميعا ويبعث بها إلى القنصل الأول.
وأشار عليه بونابرت إذا كان الإنجليز عند وصوله لا يزالون كذلك بالجيزة (وقد سبق أن غادرها هؤلاء منذ 10 مايو)، أن يذهب إليها في حراسة متينة، وأن يتمهل في انتقاله من بلدة إلى أخرى، وأن يتحدث في أثناء سيره مع الأهالي في الرحمانية وطرانة والأماكن الأخرى التي يمر بها ويدون مذكرات بمحادثاته معهم، حتى إذا بلغ الجيزة بادر بالاجتماع بالمشايخ: المصري والشرقاوي والفيومي وغيرهم - وهم المشايخ الذين تعاونوا راضين أو مكرهين مع الحملة الفرنسية - ويسجل محادثاته معهم كذلك، ويدون مذكرات وافية عن حالة قلعة القاهرة والتحصينات المجاورة، وينقل إلى الأهلين الذين يراهم أقوالا طيبة عن لسان القنصل الأول، ولكن دون أن «يورط» حكومته في شيء، كأن يقول مثلا: «إن بونابرت يحب أهل مصر ويريد لهم السعادة والرفاهية، ولا يزال يذكرهم ويتحدث دائما عنهم.»
وأما فيما يتعلق بالبكوات المماليك، الذين اعتمد بونابرت على كسبهم إلى جانبهم لتعطيل مساعي الإنجليز ووقف نشاطهم وتأييد المصالح الفرنسية في مصر، فقد ذكر بصددهم في تعليماته إلى سباستياني: أنه يجب أن يكون لديه (أي سباستياني) كتاب من «تاليران» إلى باشا القاهرة يبلغه رغبة القنصل الأول في إرسال قومسيير إلى القاهرة حالا، واهتمامه بمعرفة ما إذا كانت الأمور هادئة ومستقرة في مصر لحرصه على إسعادها وضمان السلام لها، وحتى يعرف إذا كان في استطاعته (أي بونابرت) التدخل مع البكوات المماليك من أجل تحقيق هذه السعادة، حتى إذا رغب الباشا أن يذهب سباستياني إلى الصعيد للحديث مع البكوات، ذهب بعد أن يمكث في القاهرة ثمانية أيام أو عشرة، يكون قد استطاع في أثنائها مشاهدة كل شيء والحديث مع الناس، وأن يصطحب معه في عودته الفرنسيين الذين بقوا بالمستشفيات، أو أولئك الذين بقوا مع البكوات المماليك ويريدون العودة إلى فرنسا.
وعلى ذلك فقد بدأت - عقب عقد معاهدة إميان واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وتركيا - مساعي القنصل الأول من أجل تحقيق غرضه الجوهري؛ إجلاء الإنجليز عن الإسكندرية بكل سرعة، ثم التوسط للبكوات المماليك لدى الباب العالي حتى يستطيع الاعتماد عليهم إذا عادت السلطة إليهم في رعاية مصالح فرنسا التجارية والسياسية في مصر.
Bog aan la aqoon