Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad

Maxamed Fu'aad Shukri d. 1392 AH
147

Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Noocyada

وقال الشيخ الجبرتي: «إن الألفي عند وصوله إلى قرب قناطر شبرامنت نزل على علوة هناك، وجلس عليها، وزاد به الهاجس والقهر، ونظر إلى جهة مصر القاهرة، وقال: يا مصر انظري إلى أولادك وهم حولك مشتتين متباعدين مشردين، واستوطنك أجلاف الأتراك واليهود وأرذال الأرنئود، وصاروا يقبضون خراجك، ويحاربون أولادك، ويقاتلون أبطالك، ويقاومون فرسانك، ويهدمون دورك، ويسكنون قصورك، ويفسقون بولدانك وحورك، ويطمسون بهجتك ونورك، ولم يزل يردد هذا الكلام وأمثاله حتى إذا حدث له ما حدث، وشعر بقرب منيته قال: قضي الأمر، وخلصت مصر لمحمد علي، وما ثم من ينازعه ويغالبه، وجرى حكمه على المماليك المصرية، فما أظن أن تقوم لهم راية بعد اليوم.»

وأما محمد علي فكان نائما في خيمته على الضفة اليسرى للنهر بالقرب من الجيزة عندما دخل عليه أحد عربان الهنادي في 29 يناير يطير إليه خبر وفاة الألفي، فلم يصدقه الباشا؛ لأن أتباع الألفي كانوا قد تكتموا الخبر ولم يشيعوه في العرضى، والذي أشاع الخبر وأتى بالبشارة رقيق البدوي الذي حمل جثمان الألفي على بعيره إلى البهنسا حيث دفن بها بجوار الشهداء، فلما تأكد الباشا بعد ذلك من وفاة الألفي أغدق على المبشر بذلك العطايا وألبسه فروة سمور ثم أمره أن يركب بتلك الخلعة، ويشق بها من وسط المدينة ليراه أهل البلدة (القاهرة)، وشاع ذلك الخبر في الناس الذين لم يصدقوه، وراحوا يقولون: إن هذا من جملة تحيلات الألفي، فإنه لما سافر إلى بلاد الإنجليز لم يعلم بسفره أحد، ولم يظهر سفره إلا بعد أشهر؛ فلذلك أمر الباشا ذلك المبشر أن يركب بالخلعة ويمر بها من وسط المدينة، ومع ذلك استمروا في شكهم نحو شهرين حتى قويت عندهم القرائن بما حصل بعد ذلك، فإنه لما تفرقت قبائل العربان التي كانت متجمعة حوله، وبعضهم أرسل يطلب أمانا من الباشا وغير ذلك ثبت لديهم موت الألفي.

وكان من أثر تحقق وفاة الألفي أن عددا كبيرا من سكان وأعيان القاهرة الذين كانوا قد انضموا إليه، ما لبثوا أن تركوا شاهين بك خليفته، وحذا حذوهم أحد كشافه وجماعة من فرسان المماليك، وآخرون من مشاة الأتراك والأرنئود والنوبيين الذين كانوا في خدمته وانضموا إلى محمد علي، كما انفصل أولاد علي عن شاهين بك ورجعوا إلى بلادهم، وأما شاهين بك ومماليك الألفي وأجناده الباقون وسائر البكوات فقد ارتحلوا إلى الصعيد.

وبوفاة الألفي تخلص محمد علي من أشد خصومه عداوة له، وأعظمهم خطرا على ولايته، ولقد كان محمد علي نفسه يقول: ما دام هذا الألفي موجودا لا يهنأ لي عيش، ومثالي أنا وهو مثال بهلوانين يلعبان على الحبل لكن هو في رجليه قبقاب، فلما أتاه المبشر بموته قال بعد أن تحقق ذلك: الآن طابت لي مصر - أو الآن ملكت مصر - وما عدت أحسب لغيره حسابا. وقد عد موت الألفي - على حد ما ذكره الجبرتي - «من تمام سعد محمد علي باشا الدنيوي.»

الفصل الثاني

تنازع النفوذ بين «مسيت» و«دروفتي»

تمهيد

عانى محمد علي الشيء الكثير من خصومة الألفي له، حتى إن التنازع على السلطة والحكم صارا منحصرا - في واقع الأمر خلال عام 1806 وحتى وفاة الألفي في يناير من العام التالي - بين محمد علي وغريمه الأكبر؛ لأن الألفي تميز عن سائر البكوات بأنه الرجل الذي حدد مقصده من نضاله مع محمد علي، وهو انتزاع الحكم منه، ولم تثنه عن عزمه إغراءات غريمه، بل وعمد إلى تمويهات المفاوضة على غرار ما فعل الباشا نفسه معه، سواء محمد علي حتى يبطل نشاطه ويتسنى له تقوية نفسه لاستئناف النضال، أو مع العلماء والمشايخ الذي آزروا خصمه حتى ينفرهم منه ويجذبهم إليه، وبينما تخاذل سائر البكوات وركنوا إلى الاستقرار بالصعيد منذ أن قضى على حكومتهم في القاهرة (1804) ثم فرقتهم الانقسامات، تفاوض مندوبو الألفي في القسطنطينية، وكان نجاحهم مبعث تلك الأزمة الخطيرة - أزمة النقل إلى سالونيك - التي كادت تطيح بولاية محمد علي في مصر، ووثق الألفي صلاته بالوكلاء الإنجليز، وكانت هذه الصلات بينه وبين «مسيت» على وجه الخصوص مصدر خطر مستمر لحكومة محمد علي، فقد كمنت خصومة «مسيت» لمحمد علي وراء خصومة الألفي، وشجعت هذا الأخير على المضي قدما في مشروعاته لتأسيس حكومة مملوكية في مصر بزعامته.

ومنذ أن بدأ محمد علي كفاحه عقب المناداة بولايته من أجل البقاء في الحكم، كان لا ندحة له عن أن يدخل في حسابه خصومة «مسيت»، مع أنه ظل طوال هذا النضال المرير لا يدع فرصة تمر دون أن يظهر رغبته في كسب تأييده ولكن دون طائل، بل دأب هذا؛ أي «مسيت» على المراوغة والنفاق حتى يصرف الباشا ما قد يساوره من شكوك من ناحية، وحتى يبطل مساعي خصومه الوكلاء الفرنسيين لدى الباشا ضده، وكان مبعث خصومة «مسيت» لمحمد علي تصميمه على إعادة ما كان للبكوات من سلطات سابقة إليهم لاعتقاده أن في قدرتهم وحدهم الدفاع عن مصر ضد الغزو الفرنسي إذا تجدد بسبب تطور الحرب بين إنجلترة وفرنسا، ولما كان البكوات منقسمين إلى فريقين: أحدهما بزعامة البرديسي ويعتمد على مؤازرة فرنسا له، فقد صار طبيعيا أن يبذل «مسيت» قصارى جهده لمناصرة الحزب الآخر الذي أظهر ولاءه لإنجلترة بزعامة الألفي، لا سيما وقد ظل الألفي يؤكد هذا الولاء، ويعقد آماله في النصر وتسلم زمام الحكم على مؤازرة الإنجليز له، واعتمد «مسيت» من جهته على الألفي ومماليكه وأتباعه كالقوة التي في استطاعتها بما لديها من فرسان معاونة الإنجليز عند مجيء حملتهم إلى مصر، لا لدفع الغزو الفرنسي عنها فحسب، بل وكذلك - كما أراد «مسيت» - لاحتلال البلاد وامتلاكها.

ولم يكن نشاط «مسيت» مع الألفي أو مساعي رجال السفارة الإنجليزية في القسطنطينية لصالح المماليك سرا مكتوما، ومع أن أحدا من الوكلاء الإنجليز ورجال سفارتهم لم يتدخل في المفاوضات التي انتهت بتقرير إعطاء الألفي مشيخة البلد ونقل محمد علي إلى سالونيك، فقد اعتقد «دروفتي» أن أعداء فرنسا وهم الإنجليز قد نجحوا بفضل مكائدهم ونفوذهم في حمل الباب العالي على إرجاع السلطة إلى البكوات، وأدهش «دروفتي» أن يرضى الباب العالي بمقتضى النظام الجديد بإعطاء الألفي كل هذه السلطة العظيمة؛ حيث يضع ذلك موارد البلاد بأسرها في أيدي الإنجليز حماة الألفي، ويؤذي هذا العمل مصلحة الباب العالي نفسه، ولقد كان هذا الاعتقاد كافيا لأن يبذل «دروفتي» جهده لتحطيم مشروعات الألفي، وكان «دروفتي» قد وضع نصب عينيه - نزولا على تعليمات حكومته العامة وتوجيهاتها - مكافحة النفوذ الإنجليزي في مصر وإبطال مساعي الوكلاء الإنجليز لدى البكوات المماليك لجذبهم إلى جانبهم، فلما أن عاد الألفي من سفارته في لندن، وصار الوكلاء الإنجليز يعقدون آمالا كبارا في المدة التالية على استطاعته تأسيس الحكم المملوكي في مصر تحت رعايتهم ثم انبروا يؤيدونه أثناء أزمة النقل إلى سالونيك، تبين ل «دروفتي» قطعا أن إحباط هذه المحاولات مرتبط من ناحية أخرى بتأييد الحكومة التي يسعى الألفي والإنجليز لهدمها؛ أي حكومة محمد علي.

Bog aan la aqoon