Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad

Maxamed Fu'aad Shukri d. 1392 AH
141

Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Noocyada

وفي 5 أكتوبر وصل الططر إلى الإسكندرية يحملون قرار الباب العالي بتثبيت محمد علي في الولاية، وبادر «مسيت» بالكتابة في اليوم التالي إلى وكيله في القاهرة عزيز بأن ينتقي هدية من عند الجوهري «كاستللي»

Castelli

بالقاهرة، قيمتها حوالي 2000 قرشا لتقديمها لمحمد علي، ويبلغه تهاني «مسيت» وتمنياته الطيبة له بأن يتمتع بحكم مديد سعيد، وفي 8 أكتوبر أقلع القبطان صالح باشا ومعه على ظهر سفينته إبراهيم بك بن محمد علي من أبي قير إلى القسطنطينية، واستمر كتخداه بمصر متخلفا حتى يستغلق مال المصلحة؛ أي الأربعة آلاف كيس التي تعهد محمد علي بدفعها نظير تثبيته في الولاية، وفي 29 أكتوبر وصل قابجي من القسطنطينية إلى القاهرة، وفي اليوم نفسه قرئت المرسومات التي أحضرها معه، وكانت فرمانين: أحدهما يتضمن تقرير الباشا على ولاية مصر بقبول شفاعة أهل البلدة والمشايخ والأشراف، والثاني يتضمن الأوامر السابقة وبإجراء لوازم الحرمين وطلوع الحج وإرسال غلال الحرمين، والوصية بالرعية، وتشهيل غلال وقدرها ستة آلاف إردب وتسفيرها على طريق الشام معونة للعساكر المتوجهين إلى الحجاز، وفيه الأمر أيضا بعدم التعرض للأمراء المصريين وراحتهم وعدم محاربتهم؛ لأنه تقدم العفو عنهم. وفي اليوم نفسه غادر كتخدا القبطان باشا القاهرة بعد ما استغلق المطلوب، وكان الباشا قد فرض منذ 19 سبتمبر سلفة 6000 كيس برسم مصلحة القبودان، كان نصيب القبطان باشا ألفي كيس منها لتغطية نفقاته الشخصية! وفي 11 نوفمبر بارح الإسكندرية إلى القسطنطينية ومعه مبلغ ضخم من المال على حد قول الوكلاء الفرنسيين.

وهكذا اجتاز محمد علي بنجاح هذه الأزمة التي هددت بزوال باشويته، وتلفت طبخة الألفي والتدابير ولم تسعفه المقادير. (4) خصومة الألفي

بيد أن الترتيب الأخير الذي أقر محمد علي على الولاية، كان يتضمن أمرين يستلفتان النظر: استمرار الإسكندرية منفصلة في شئونها عن باشوية محمد علي، وخضوعها في إدارتها لإشراف الباب العالي رأسا، ثم ضبط إيرادات جمركها وجمركي رشيد ودمياط لحساب القسطنطينية؛ أي بقاء الإشراف على أهم شئون الإدارة بهذين الميناءين الأخيرين كذلك في يد الباب العالي، ومعنى ذلك أن الديوان العثماني يريد الاحتفاظ بالمواقع ولا سيما أن الإسكندرية التي ذكرنا أنها كانت بمثابة الحلقات التي تشد الباشوية المصرية بمقر السلطنة، كما كان معناه أن الباب العالي كان مكرها على التسليم بالأمر الواقع ولا يثق في محمد علي، ومن المتوقع إذا سنحت الفرصة مرة أخرى أن يحاول نقله من ولايته، وأما الأمر الثاني فهو مطالبة محمد علي بعدم التعرض للبكوات المماليك، وعدم محاربتهم والعمل على توفير أسباب الراحة لهم، ومرد ذلك إلى شيئين: أولهما رغبة الباب العالي في وقف المنازعات الداخلية في مصر حتى تتفرغ البلاد لمواجهة خطر الغزو الأجنبي إذا حدث، وذلك في وقت كان يشتد فيه تأزم العلاقات بين تركيا وروسيا، ومن المتوقع إذا أعلنت الحرب بينهما أن تنضم إنجلترة إلى جانب الأخيرة، وهي حليفتها ضد تركيا، وثانيهما أن الباب العالي الذي أكره على التسليم بالأمر الواقع، وكان لا يزال يمني النفس بإخراج محمد علي من الولاية ما كان يريد في ظرفه الراهن أن يقضي على كل أمل لدى البكوات في إمكان استرجاع سيطرتهم المفقودة.

وقد أوضح «مسيت» ما فهمه من التوصية بهم التي وردت في فرمان تثبيت الولاية لمحمد علي بما يؤيد هذا المعنى، فكتب إلى «وندهام» في 7 أكتوبر سنة 1806 أن الططر قد وصلوا يوم 5 أكتوبر يحملون إخطارا رسميا بتثبيت محمد علي باشا في حكومة مصر، ومع ذلك فإن المماليك ليسوا معتبرين عصاة في نظر الديوان العثماني (وفي هذا الرأي يخالف «مسيت» ما ذهب إليه «أربثنوت» السفير الإنجليزي في القسطنطينية)، فقد أعطيت وخصصت لإقامتهم أقاليم معينة في الوجه القبلي، وقد ذكر «مسيت» في رسالة أخرى إلى «أربثنوت» في 13 أكتوبر أن هذه الأقاليم تشمل جزء الصعيد الواقع بين جرجا والشلالات (أي أسوان)، ثم إنه كان في رأي «مسيت» كما ذكره في رسالتيه السالفتي الذكر أن هذه الأقاليم كانت دائما في حوزة البكوات ولم يغزها بتاتا جند محمد علي؛ ولذلك فهو يشك كثيرا في أن يقبل المماليك هذا الترتيب وهم الذين يملكون ملكا لا ينازعهم فيه أحد ليس هذه الأراضي التي يمنحها الباب العالي لهم فحسب، بل وكذلك جهات واسعة من الوجه البحري، ثم إنهم لما كانوا في عداء مستمر مع حكومة محمد علي فقد استطاعوا أن يعيشوا من النهب والسلب، ويحتفظوا بعدد كبير من العربان معهم، ومن المحتمل في هذه الظروف أن أقواما يعيشون لأنفسهم فقط ودون تفكير في المستقبل، لن يستطيعوا قصر آمالهم على إدارة هذه الأملاك المحدودة في هدوء، ويعتقد أن البكوات لن يرضخوا لهذا إلا إذا رأوا أن الخضوع يعطيهم الوقت الذي يمكنهم من تقوية أنفسهم بالدرجة التي تمكنهم من استعادة سيطرتهم السابقة.

وكان «مسيت» محقا فيما ذهب إليه على الأقل فيما يتعلق بالألفي، فمع أنه كان في وسع محمد علي أن يبطل نشاط بكوات الصعيد أثناء أزمته بفضل ما صار يلوح به أمام أعينهم من آمال في صلح قريب يسوي خلافاتهم معه ويأذن لهم بامتلاك ذلك الجزء من الصعيد الذي احتلت جنوده مراكزه الهامة في نواحي منفلوط وملوي والمنيا وغيرها، فقد كان الألفي أقوى شكيمة وأشد مراسا منهم، ولا يزال واقفا على حصار دمنهور ويغير أتباعه وعربانه على سائر جهات البحيرة والمنوفية والجيزة يسلبون وينهبون ويأخذون الكلف من الأهالي قسرا وعنوة.

ولقد كانت خصومة الألفي دون خصومة سائر البكوات أخشى ما يخشاه محمد علي، ولم يكن إبحار القبطان صالح باشا إلى القسطنطينية معناه أن متاعب محمد علي قد انتهت أو أن الخطر الذي يهدد حكومته قد أزل كلية طالما بقيت خصومة الألفي له، وما دام الأخير قادرا على قياس قوته بقوة الباشا وامتشاق الحسام ضده.

وكان مبعث الخطر من استمرار خصومة الألفي أن هذا كان أعظم البكوات إطلاقا نشاطا ومضاء عزيمة وقوة تدبير، وأكثرهم معرفة بمرامي السياسة وإدراك معنى ذلك الصراع الذي قام بين إنجلترة وفرنسا خصوصا للاستئثار بالنفوذ الأعلى في مصر، فكان خير من عرف من البكوات كيف يفيد منه لمحاولة الاستعانة بآثاره على تمكين المماليك من إعادة تأسيس سلطانهم في مصر، وقد تضافرت عوامل عدة على أن يكون للألفي هذه القدرة، أهمها ما مر به من تجارب منذ أن جلبه بعض تجار الرقيق إلى مصر في عام 1775، فقد طلب من أول سيد اشتراه أحمد جاويش - كان معروفا بالمجنون أن يبيعه لاستيائه من عيشة المجون والسفه التي كان يعيشها هذا، فباعه لآخر سليم أغا الغزاوي الذي ما لبث أن أهداه إلى مراد بك نظير ألف إردب من الغلال كانت سببا في تسميته بالألفي ثم أعتقه مراد بك وولاه كاشفا بالشرقية، ثم رفع إلى الصنجقية عام 1778 والتزم بإقطاع بلاد كثيرة في الوجهين: البحري والقبلي، وشهد في هذا العهد الفتن التي أثارها التنازع على السلطة بين إسماعيل بك رئيس البكوات وقتئذ وبين إبراهيم ومراد وتآمر هذين على الفتك بالأول، وانسحابهما إلى الصعيد بعد فشلهما، ثم انتصارهما أخيرا عليه واضطرار إسماعيل إلى الخروج إلى الشام، وإقرار مشيخة البلد لإبراهيم بك (ديسمبر 1788) كما شهد غدر مراد بك أستاذه بأحد البكوات من منافسيه (عبد الرحمن بك) وقتله، واشتداد الخصومة بين بكوات الصعيد: حسن بك ورضوان بك من ناحية، وبين إبراهيم ومراد (1780-1783) من ناحية أخرى، وقيام الأزهر بثورة أغلقت بسببها الجوامع وصار المجاورون يخطفون ما يجدونه في الأسواق بسبب قطع رواتبهم يوليو 1784، ثم شهد حضور حسن باشا الجزائرلي في دوننما عثمانية وجيش عثماني لردع البكوات وإلزامهم حدهم بعد أن سلبوا الباشوات الذين ولوا الحكم على مصر كل سلطة، وقد ذهب الألفي وقتئذ مع عشيرته إلى الصعيد مع مراد وإبراهيم (1786) ثم عاد إلى مصر بعد أربع سنوات (1790)، وقد استمر عزل الباشوات وتعيينهم من قبل الباب العالي في السنوات التي تلت حملة القبطان حسن باشا، وبعد محمد باشا يكن الذي انفصل عن الولاية في أبريل 1787 تولى كل من عابدين باشا الشريف، وإسماعيل باشا التونسي، ومحمد عزت باشا وصالح باشا القيصرلي وأبو بكر باشا الطرابلسي (يوليو 1796) واستمر البكوات أصحاب السيطرة في حكومة مصر.

وعندما حضر الفرنسيون إلى مصر اشترك الألفي في واقعة الأهرام أو إمبابة وأبلى وجنده، في تلك الواقعة بلاء حسنا (21 يوليو 1798)، ثم استمر يتنقل بعدها في جهات الوجه البحري والصعيد يعمل مع الفرنسيين مكايد ويصطاد منهم بالمصايد، ولما وصل عرضي الوزير يوسف ضيا إلى ناحية الشام، ذهب إليه وقابله، وأنعم عليه الوزير وأقام بعرضيه أياما، وعاد إلى مصر، وذهب إلى الصعيد، ثم رجع إلى الشام مرة أخرى (1799)، وكان الألفي بمصر وقت نقض اتفاق العريش بين الجنرال كليبر والعثمانيين (1800) فأبدى نشاطا كبيرا في مقاومة الفرنسيين مع حسن بك الجداوي، فلما عقد كليبر معاهدته المعروفة مع مراد بك في 5 أبريل 1800 لم يوافق الألفي على ما فعله أستاذه واعتزله، ولكنه ما لبث بعد فشل ثورة القاهرة الثانية أن صار يسعى للصلح بين الفرنسيين والعثمانيين، حتى إذا تم إبرامه في 21 أبريل 1800 وانسحب الأخيرون إلى نواحي الشام خرج معهم الألفي، ثم رجع إلى الشرقية، واستمر يناوش الفرنسيين وفي كر وفر معهم حتى حضرت الحملة الإنجليزية العثمانية لطرد الفرنسيين، وسلم هؤلاء القاهرة في يونيو والإسكندرية في أغسطس 1801، ودخل العثمانيون القاهرة، ودخلت البلاد من جديد في حظيرة الدولة العثمانية، وأخذ العثمانيون منذ تسلموا زمام الأمور في القاهرة يتوددون إلى البكوات، ويتظاهرون بإعادة السلطة إليهم، ونصبوا إبراهيم بك شيخا للبلد، ولكن الألفي لم تخدعه أساليب الصدر الأعظم يوسف ضيا والقبطان حسين باشا فنصح زملاءه خصوصا إبراهيم والبرديسي وعثمان وحسن بعدم الاغترار بها، وحذرهم من أن العثمانيين لن يتركوا السلطة في أيدي المماليك بعد أن ملكوا البلاد ثانية، ثم عرض عليهم الاحتماء بالإنجليز الذين كانوا لا يزالون معسكرين بالجيزة وتوسيطهم لدى الصدر الأعظم والقبطان باشا للوصول إلى شروط في صالح البكوات بضمانتهم تعيد الأوضاع السابقة، فلا يبقى من العثمانيين سوى متقلدي المناصب القديمة أي الباشا والدفتردار ومن إليهما، ولكنهم لم يستمعوا لنصحه ورأيه، فصمم الألفي على النجاة بنفسه، واستطاع بحيلته ودهائه أن يظفر من الصدر الأعظم بتقلد إمارة الصعيد نظير تحصيله الأموال والغلال الميرية منها ودفعها لخزانة الدولة، وقصد من فوره إلى الصعيد، وعبثا حاول الصدر الأعظم تدارك خطئه، وأرسل وراءه يطلب عودته، ولكن الألفي كان قد جد في السير، وقطع مسافة بعيدة، فلم يلحق به الرسل، ثم إنه اتخذ أسيوط مقرا له، وأرسل للصدر دفعة من المال وأغناما وعبيدا لمواشيه وغلالا، ثم لم يمض على ذلك ثلاثة شهور حتى أوقع القبطان باشا والصدر الأعظم بالبكوات في مكيدتيهما المعروفتين في أكتوبر 1801، وعاد الألفي بعدئذ من الصعيد، وصار مقره في الجيزة تارة وفي البحيرة تارة أخرى، ثم كانت سفارته إلى لندن وما تلا ذلك من حوادث سبق الكلام عنها، أهمها محاولة البرديسي الفتك به، وطرد حكومة البكوات من القاهرة، ومكيدة 16 أغسطس 1805، ثم مفاوضات القسطنطينية وحضور القبطان باشا في مهمته المعروفة.

Bog aan la aqoon