Masar Bilowgii Qarniga Sagaalaad
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Noocyada
ومع ذلك فقد استمرت محاولات السلحدار وصالح أغا القابجي باشي، وبشير أغا القابجي الذي كان قد حضر من القسطنطينية قبل حوادث «12-13 مايو» فاستأنفوا مساعيهم مع خورشيد (3 أغسطس)، وطلب «القلعاويون شروطا وعلائفهم الماضية»، وكثرت مباحثتهم مع خورشيد ومحمد علي، وتعدد طلوعهم ونزولهم من القلعة، وأخيرا وافق خورشيد على النزول يوم 5 أغسطس، وكان محمد علي قد أحضر له الخمسمائة كيس التي طلبها، وسلم القلعة إلى سرجشمة حسن أغا الذي تسلمها باسم محمد علي، وفي اليوم التالي نزل خورشيد نفسه وذهب إلى بولاق ومعه صالح قوش وعمر بك الأرنئودي وصحبهم كتخدا محمد علي (6 أغسطس) «وأرسل «السيد عمر مكرم» فنادى تلك الليلة باستمرار الناس على التحذر والسهر وضبط الجهات» خوفا من غدرهم، ولكن خورشيد ما لبث أن غادر بولاق في 11 أغسطس، «وتخلف عنه كتخداه وعمر بك وصالح قوش والدفتردار وكثير من أتباعه، ولم يسهل بهم مفارقة أرض مصر وغنائمها - على حد قول الشيخ الجبرتي - مع أنهم مجتهدون في خرابها.»
وتعجب «مسيت» - في رسالته إلى ستراتون من الإسكندرية في 12 أغسطس - من تسليم خورشيد، وإقدامه على هذا العمل البعيد عن الحكمة، والرضاء «بوضع نفسه في أيدي أعدائه بعد أن صار مستحقا للعقاب بسبب علاقاته مع المماليك»، ثم تساءل «مسيت»: «لماذا سلم رهنا في يده كالقلعة لأعدائه قبل أن يعرف نتيجة ما قدمه من رجاوات، وقام به من مساع لدى القبطان باشا؟» وفسر «مسيت» ما فعله خورشيد بأنه ربما كان نتيجة نزوة من النزوات أو تقلب الخاطر.
ولكن كانت هناك أسباب كثيرة أرغمت خورشيد على النزول في النهاية؛ منها: نشاط المقاومة الشعبية وإصرار القاهريين ومشايخهم على عزله، ثم صدور أمر الباب العالي الذي اعترف - كعادته - بالأمر الواقع بتثبيت محمد علي في الولاية ومطالبة خورشيد بالانسحاب.
ولعل أهم عوامل هذا الفشل، كان انقسام البكوات المماليك الذين أراد خورشيد الاستنجاد بهم، وتردد الألفي، وتوهمه أن بوسعه أن يلعب دورا مزدوجا - كسابق عادته - مع خورشيد ومحمد علي ومع الوكلاء الإنجليز والقبطان باشا بينما قصر رجاله نشاطهم على النهب والسلب في الوجه البحري، ورفض أن يتحد في أية عمليات مع إخوانه الذين حضروا من الصعيد بمجرد أن نمى إليهم ما تعانيه حكومة خورشيد بالقاهرة من مصاعب وأعلن تصميمه على الوقوف موقف الحياد، حتى إذا شاهد بكوات الصعيد يقتربون من القاهرة، خشي إذا نجح هؤلاء في الاستيلاء عليها أن يظل هو خارج أسوارها، فكان بعد تباطؤ طويل - على حد قول مسيت - أن عول على الاشتراك في هذا الحادث، حادث دخول القاهرة المنتظر، فتحرك في 7 أغسطس من البحيرة كي ينضم إلى سائر البكوات بالجيزة، واستعان هؤلاء بهذه القوة الجديدة في تنفيذ مأربهم، ولكن هذه الخطوة جاءت متأخرة؛ لأن خورشيد - كما تقدم - كان قد سلم القلعة وغادرها منذ 6 أغسطس، وفضلا عن ذلك فقد استطاع محمد علي أن يكيد للبكوات مكيدة كبيرة.
فإن هؤلاء الذين توهموا أن القاهريين يؤازرونهم سرا؛ شرعوا الآن يستميلون رؤساء الأرنئود إليهم في محاولة أخيرة لاقتحام القاهرة قبل اضطرارهم إلى الانسحاب بسبب فيضان النيل الذي أخذ يعلو، فقال «مسيت» في رسالته إلى «كامدن» في 29 أغسطس يصف ما حدث، إنهم «وزعوا أموالا كثيرة بين الرؤساء الأرنئود الذين وعدوا البكوات بطرد محمد علي وأعوانه من القاهرة، فوثق هؤلاء بهذه الوعود» وانخدعوا بها، ونشأت من ثم مراسلات بين الفريقين، قال المعاصرون: إن الرسائل التي كتبها الضباط الأرنئود باسمهم وباسم المشايخ والأهلين كانت تصنع في سراي محمد علي نفسه وتحت بصره، وأوهم كاتبوها البكوات أن القاهريين يريدون الثورة على محمد علي «ذلك الأجنبي الذي جعلهم طغيانه الذي لا يطاق يأسفون على حكومة البكوات، وأنهم ينتظرون بفروغ صبر اللحظة التي يتمكنون فيها من طرده واستدعاء البكوات.»
فاتفق الرأي على تحديد يوم خروج محمد علي في الاحتفال السنوي المعتاد بوفاء النيل وفتح الخليج (16 أغسطس) حيث يقام الاحتفال دائما خارج أسوار القاهرة، موعدا لدخول البكوات، ولكن «محمد علي» الذي كان يعلم بهذا التدبير «أمر بكسر السد ليلا»، وفي اليوم المعهود «لم يذهب الباشا ولا القاضي ولا أحد من الناس ولم يشعر «البكوات» بذلك»، وجاء هؤلاء «البكوات» يحاولون الدخول من باب الفتوح، فتركهم الأهلون الذين كانوا في الحراسة يدخلون فتقدم البكوات عثمان حسن وعباس، وأحمد كاشف سليم بك وشاهين بك المرادي وغيرهم «كشاف وأجناد ومماليك وعبيد كثيرة نحو الألف» وقصدوا بطبولهم وزمورهم إلى الجامع الأزهر، وذهب فريق منهم مع البكوات إلى بيت السيد عمر مكرم فامتنع عن مقابلتهم، فتوجهوا إلى بيت الشيخ عبد الله الشرقاوي ونزل البكوات عنده، وحضر إليهم عمر مكرم وطلبوا منهم النجدة وقيام الرعية، ولكن دون جدوى، فخرجوا وغادروا القاهرة من أحد أبوابها «باب البرقية»، وكان جند الباشا قد حضروا لمناجزتهم ولكنهم لم يدركوهم، فنجوا، وأما الفريق الآخر فقد انهال عليهم الرصاص من جانبهم ولم ينفع جماعة منهم التجاؤهم إلى جامع البرقوقية، وكانت مقتلة عظيمة، ولم ينج منهم سوى حسن بك شبكة واثنين من الكشاف افتدوا أنفسهم بالمال.
وقال «مسيت» في رسالته التي سبقت الإشارة إليها، والتي ضمنها بعض تفصيلات هذا الحادث، إن غرضه من ذكرها إنما هو إظهار أن «نتيجتها قد قضت على كل رجاء في أن حكم الأرنئود - والمقصود محمد علي - سوف ينتهي من مصر».
وكان من أسباب فشل خورشيد، إخفاق تلك المساعي التي أشار إليها «مسيت» وذهاب رجواته للقبطان باشا سدى، فقد بعث خورشيد سلحداره علي باشا، كما بعث الألفي بكخياه «محمد» برسائل لمقابلة القبطان باشا بالإسكندرية، «وكان الغرض من إيفادهما - على نحو ما ذكر مسيت في رسالته إلى ستراتون في 6 أغسطس - التوسل والتضرع للقبطان باشا حتى يعترف بخورشيد باشا واليا على مصر، فيعطي بذلك موافقته الرسمية على الحرب التي كان جند خورشيد - بالاتحاد مع المماليك - على وشك أن يبدءوها ضد محمد علي وأنصاره».
فوصل الاثنان إلى الإسكندرية في 3 أغسطس - أي قبل تسليم القلعة بثلاثة أيام فحسب - وتوسط «مسيت» لدخول كخيا الألفي ورسول خورشيد تحت حمايته، واستضافهما في منزله أربعة أيام وهي المدة التي قضياها بالإسكندرية، وفي أثنائها قابلا مرتين القبطان باشا الذي دخل الإسكندرية «متخفيا» لمقابلتهما، وكانت الرسائل التي بأيديهما تعلن إليه اتحاد جميع البكوات وانضمامهم إلى حزب خورشيد باشا، «كما دعي القبطان باشا - كما ذكر «دروفتي» في إحدى رسائله إلى حكومته في 3 أغسطس - للذهاب إلى القاهرة مع كل الجند، حتى يعمل - بالاشتراك مع الحزبين المتحدين - لطرد الأرنئود واتخاذ الوسائل الكفيلة باستتباب النظام وإعادة الهدوء».
وأيد «مسيت» مسعى السلحدار علي باشا ومحمد كخيا الألفي، ويقول «دروفتي» في رسالته في اليوم التالي (4 أغسطس): «إن القنصل الإنجليزي ومندوبي الألفي وخورشيد باشا قابلوا أمس القبطان باشا وعرضوا عليه مقترحات الألفي، وبذلوا كل ما وسعهم من جهد وحيلة لإقناعه بضم قواته إلى قوات الألفي لطرد محمد علي والأرنئود من مصر، الطريقة الوحيدة لإعادة السلام إليها، والتي بدونها تستحيل القاهرة أطلالا، كما أنهم حاولوا إقناعه بأن الباب العالي يجب عليه أن يخشى دائما من حدوث غزوة فرنسية على مصر، وحيث إن تركيا ليس لديها قوات كافية لدفع الفرنسيين فمن المحتمل أن تتخذ إنجلترا ما يلزم من وسائل لمنع سقوط هذه البلاد التي يهمها أمرها في أيدي أعدائها.»
Bog aan la aqoon