ليست مصر بحاجة إلى مجهر؛ لأنها ظاهرة للجميع .. يراها الكل ويبصرونها .. «ميت فل وفل».
مصر تحت المجهر، هي مصر بغير مجهر .. هي كبيرة عظيمة شجاعة، أم الحضارة، وأم الدنيا .. هي أم ليس بعدها أم، ولا قبلها أم .. هي خير أم في الوجود، بل وأروع أم في الدنيا، هي أم رءوم حنون، قلبها شفاف هفهاف رقراق وصاف كالبلور، لا تشوبه شائبة ولا تشوهه جارحة.
كم أنا فخور بأنني مصري! مصر بلدي .. هي وطني .. وهي سكني .. وهي مقبرتي .. وأنا مع مصر تحت المجهر .. والذين يرون مصر يرونني والذين يرونني يرون مصر في شخصي؛ لأننا متلازمان لا ننفصل .. كل منا ملتصق بالآخر، أنا منها ولها، وهي مني ولي .. أعطيها وهي تعطيني .. أموت فيها، وهي ولا شك تموت في .. إننا جسد واحد تحت المجهر .. كيان سليم لبنيان سليم .. محاسن مصر في .. فأنا مثلها قوي شجاع كريم معطاء متسلح مشرق، مؤمن طاهر الذيل نقي اليد، واسع الصيت والسمعة، حسن الأحدوثة .. قلبي أبيض، وعيني كبيرة لا تحرق، بل تدفئ وتنمي وترى وتراقب وتنشط وتقوي .. أما يداي وقدماي فتمثل نيلها بفروعه .. إن رفعت ساعدي إلى فوق بدتا في صورة دلتا تشبه دلتاه، أما قدماي فهما في منابع النيل راسختان ثابتتان، كأنهما جذور شجرة متغلغلة في أعماق التربة داخل باطن الأرض.
وأنا تحت المجهر أمثل مصر في صورة مصغرة .. ومصر هي أنا في صورة كبيرة .. أنا ظفر منها، وهي يدي ورأسي وجسدي .. هي الأصل وأنا فرع صغير خرج منها ولم ينفصل عنها.
ومصر تحت المجهر ، لا تخاف الحقائق ولا ترهب الواقع ولا يفزعها أي شيء، فالمجهر لا يظهر إلا ما هو كامن في هذه الأرض من كنوز ونفائس، وجواهر ومعادن ثمينة تزيد من قيمتها وقدرها.
وأنفس ما في مصر هم الأربعون مليون نسمة بعقولهم الجبارة المنيرة المتعلمة الواعية اللماحة الذكية، وسواعدهم الفتية القوية، وأرواحهم النبيلة الشريفة الكريمة الأصيلة .. أما عيونهم فدعجاء كحيلة مميزة واسعة.
مصر جنة الولهان
مع شمس مصر، ونيل مصر، وقمر مصر، وسماء مصر الصافية الأديم، لا يمكن إلا أن يقوم أحلى حب وأجمل عشق وأقوى هيام وأرقى انسجام.
لا توجد بقعة في الدنيا يمكن للحب أن ينمو فيها كما ينمو فوق أرض مصر .. لا يوجد مكان في الدنيا يحس فيه العاشقون بالطمأنينة والسعادة مثلما يحسون فوق أرض مصر .. مصر أرض العاشقين .. أرض المتيمين .. أرض الولهانين المؤمنين بحب الله وحب الوطن وحب البشر وحب الحياة وحب الحب نفسه.
مصر أرض لا تستهوي القتلة والسفاحين ولا تؤوي المردة المحاربين .. لا يعنيها السلاح الفتاك ولا أدوات الدمار والهلاك، ولا تبني القلاع أو خطوط الدفاع .. ولكنها بلاد تحب المسالمين الوادعين الذين امتلأت قلوبهم بالحب الطاهر الشريف .. الحب الذي يعشش ويأوي ويصون .. الحب الذي ينمو ويكبر، ويعلو ويشمخ، ويزدهر ويثمر، ويهيئ الرجال والأشبال لنيل مصر وجو مصر وأرض مصر وجنة مصر الفيحاء.
Bog aan la aqoon