مصر العثمانية
مصر العثمانية
تأليف جرجي زيدان
مقدمات تمهيدية
التاريخ الإسلامي بالنظر إلى سائر التواريخ
التاريخ العام
التاريخ العام، عبارة عن الحوادث التي رافقت الإنسان في أول وجوده إلى الآن أو ذكر ما انتاب الأمم من التقدم أو التأخر والصعود أو الهبوط في السياسة والاجتماع، أو هو بيان تدرج البشر في المدنية؛ ولذلك فهو مقصور على الأمم التي كان لها شأن في ترقية الهيئة الاجتماعية.
وقد عبر بعضهم عن التاريخ بقوله إنه الفلسفة مشروحة بالأمثال حتى تكون حوادث المتقدمين عبرة للمتأخرين.
والتاريخ العام يقتضي معرفة أخبار الناس من أول عهد الإنسان إلى الآن. وهذا غير ميسور لأن ما وصل إلينا من حوادث البشر إنما هو جزء صغير جدا في تاريخهم. والإنسان لم يدون تاريخه إلا بعد أن وفق لاختراع الكتابة. وهو لم يوفق إليها إلا بعد التدرج في الرقي أدهارا، ظهرت في أثنائها دول وأمم انتشبت بينها الحروب، وعقدت المعاهدات، وذهب العقلاء في أثنائها مذاهب في الفلسفة. فهذه كلها ذهبت أخبارها فلم يصلنا منها شيء، حتى أسماء تلك الأمم، فإنها ضاعت. وإنما استدللنا على وجودها من ثمار أعمالها، أو بما خلفته من الأدوات أو الأحافير أو الخرائب.
وعلماء التاريخ لا يعدون تلك المعرفة تاريخا؛ ولذلك سموا المدة التي قضاها الإنسان قبل تدوين أخباره «الزمن قبل التاريخ » وهو أطول كثيرا في زمن التاريخ تقدم فيها الإنسان شوطا بعيدا في سلم المدنية والارتقاء العقلي. وفيها تألفت الهيئة الاجتماعية ووضعت سنن الزواج والإرث، وانتظمت العائلة. وفيها شكلت الحكومات، وأنشئت الأديان. وفيها حدثت أهم الاختراعات والاكتشافات التي بنى عليها البشر رقيهم في زمن التاريخ؛ لأن في تلك الفترة المظلمة، اخترعت الكتابة، واستنبط الطبخ والعجن والخبز والغزل والنسيج والخياطة والبناء، واكتشفت النار والملح، وهما من أهم الاكتشافات.
Bog aan la aqoon