وحسبنا أن نتأمل في هاتين الحقيقتين البارزتين أمام أعيننا وهي كيف أن الثقافة المسيحية انتشرت في القارات الخمس، وكيف تم ذلك أيضا للثقافة الإسلامية؛ فإن ثقافة مصر القديمة قد وصلت إلى أمريكا الجنوبية والوسطى على نحو ما وصلت الثقافة الإسلامية جزر فيليبين في المحيط الهادي مع أنه لم يمض على الإسلام سوى نحو 1300 سنة، في حين أن تاريخ الحضارة المصرية القديمة لا يقل عن 6000 أو 7000 سنة قبل الميلاد.
التضحية البشرية قبل عهد الفراعنة
ليس الانفصال القائم الآن بين الملوكية والألوهية قديما؛ فإن الاثنتين كانتا في بداية التاريخ متصلتين موحدتين، فقد كان الملك هو الإله والإله هو الملك، بل هذا هو الحال القائمة الآن في اليابان فإن الإمبراطور هناك إله اليابانيين الذي يجب أن يعبد، وكان الفراعنة آلهة مصر، وكلنا يذكر كيف أن الإسكندر المقدوني حين قدم إلى مصر رحل إلى واحة سيوة حيث أقيمت له الشعائر التي جعلته ابنا للإله أمون، ولم يكن الإسكندر حين تجشم السفر إلى هذه الواحة وقطع الصحراء يمزح أو يخدع المصريين أو الإغريق، بل الحقيقة أنه كان يؤمن بأنه ابن الإله وأنه أصبح بما أقيم له من الشعائر في المعبد في عداد الآلهة. ونحن نستبعد هذه الفكرة عن أذهاننا لأننا نشأنا في القرن العشرين، وفكرة الألوهية مجردة عندنا عن المادة ولكنها لم تكن كذلك قبل 2500 سنة سواء في مصر أم اليونان، وكان الملوك آلهة كما كانوا أبناء الآلهة، والسمات والأخلاق البشرية واضحة كل الوضوح في آلهة الإغريق.
فإذا كانت هذه حال الناس قبل 2500 سنة وفي أيام الإسكندر وحضارة الإغريق فكيف كانت حالهم قبل 7000 سنة حين كانت الأفكار والعقائد في طور التكون واللغة ناقصة عن التعبير ولفظة الملك ترادف لفظة الإله؟
إننا حين نقول إن المصريين أصل الحضارة يجب أن نتخيل هذا الشعب المصري وهو يجاهد الطبيعة ويحتال على فهم الدنيا بأفكار بدائية لا تسعف على التفكير الناضج، وأنه جاهد آلاف السنين قبل أن يصل إلى عهد الفراعنة؛ فالملك مينا ليس أول الملوك بل لعله قد سبقه نحو مئة ملك أو أمير مهمته الأصلية أن يكثر من المحصولات ويمنع المرض والموت عن الأمة، فإذا كثر الوباء في أفراد الأمة وتفشى المرض والموت، أو إذا أمحل المحصول عزي ذلك إليه لأنه هو الإله المتصرف بالبلاد.
فما هو منطق هذه الحال عند المصري البدائي قبل عهد الفراعنة وما هي نتيجة هذا المنطق؟
هو أن الملك أي الإله ما دام في صحة تامة وله من شبابه قوة وعافية فإنه سيحتفظ بهذه الصفات للأمة التي يحكمها كما يحتفظ بها للمحصولات، أما إذا نشب به المرض أو اعتراه الضعف أو حلت به الشيخوخة فإنه لن يقدر على أن يكسب أمته صحة أو المحصولات وفرة؛ وإذن يجب أن يقتل لكي يتولى العرش غيره من الشبان الأقوياء الأصحاء.
ولم نجد في مصر ملكا مقتولا لأننا لم نجد ملوكا قبل الفراعنة، ولكنا نستنتج هذا القتل من جملة أشياء:
أولا:
أن الرواية المصرية القديمة تقول إن الرب أوزوريس قد قتل، وكان عيده السنوي ينحصر في موته ثم قيامه من بين الأموات ... وهذا الرب كان لا بد ملكا من ملوك مصر قبل الفراعنة.
Bog aan la aqoon