وقد وصف الأستاذان أحمد يوسف ويوسف خفاجي في كتابهما عن الزخرفة المصرية القديمة نبات البردي بقولهما:
نبات ذو ساق طويلة قوية، تخرج في خطوط مستقيمة، بعكس ساق اللوتس القصيرة الضعيفة ... وتنتهي الساق بزهرة تتفتح بخيوط كثيرة صفراء تشبه «ذقن الباشا» أي زهرة اللبخ، وقد تفنن المصري القديم في اتخاذ هذه الزهرة كوحدة زخرفية على أشكال شغلت مقدارا عظيما من زخارفه.
ومن البردي صنع المصريون الورق، بشق السيقان إلى شرائح أخرى، في شكل الشبكة، ثم الضغط عليها جميعا وهي خضراء، فيحصلون على صحيفة من الورق هو ما عرف بورق البردي.
وظهرت زهرة البردي في الزخارف المصرية، بجانب اللوتس، متمشية معها في كل أدوار تاريخها، فهي قديمة ومألوفة كاللوتس سواء بسواء، وقد تراها مثلت دورا هاما في التاريخ المصري، منذ أن جعلها المصريون القدماء رمزا على الوجه البحري، فكانت توضع مع اللوتس في عقدة بشكل خاص لترمز معها إلى اتحاد الوجهين تحت حكم الملك.
وإذا نظرنا إلى شكل تلك الزهرة في الطبيعة وقارناها بشكل تلك الوحدة التي أخرجها الفنان.
إغريقيا المهد الثاني للحضارة
مصر هي المهد الأول للحضارة، هي التي اخترعت الزراعة واكتشفت المعادن ونحتت الحجر وشيدت المباني، وأوجدت الأسس الأولى للدين والاجتماع والقانون، ولكن إغريقيا هي المهد الثاني للحضارة، هي التي عممت التجارة والنقود وأقامت حكومة المدينة الديمقراطية بدلا من حكومة القطر الأتوقراطية ووضعت الرأي فوق العقيدة وبدأت حركة التفكير الحديث.
حضارة الفراعنة هي حضارة الزراعة، وحضارة الإغريق هي حضارة التجارة.
للمصريين ديانة وعقائد جزمية، وللإغريق فلسفة وآراء فرضية.
ونحن حين نقرأ مخلفات المصريين القدماء نشعر أننا في عالم قديم لا ننفصل منه انفصالا كميا فقط بل كيفيا أيضا، أما حين نقرأ مخلفات الإغريق فإننا نجد فيها روح العصر الحديث، وليس في عصرنا الحاضر من النهضات الاجتماعية المختلفة ما لا نجد بذرته الأولى عند الإغريق؛ فإن الحركة النسوية الحديثة والدعوة إلى الاشتراكية وتوحيد الأمم في حضارة واحدة وتأصيل الإنسان بالتزاوج والديموقراطية والفاشية والبحث العلمي والمضاربة الفلسفية وحركة العري والدعوة إلى الرياضة والجمال والرحلة من أجل العلم، كل هذا كان يعرفه الإغريق وقد عقدوا له المناقشات الحادة ولكن مع عظم هذا الفرق بين المصريين والإغريق القدماء نجد حلقات للاتصال تصل بين حضارتي مصر وإغريقيا. •••
Bog aan la aqoon