وقد سبق أن رأينا كيف أن المصريين قبل عهد الأسر كانوا يلفون موتاهم في الجلد أو الحصير لكي يحموهم من التراب، وكيف أن هذه العادة أرشدتهم إلى صنع النعوش المختلفة، وكان الفقراء لا يزالون في عهد الدولة القديمة يلفون موتاهم في الحصير مدة طويلة بعد الأسرة الثانية، وكانت القبور تصفح جدرانها بالخشب قبل عهد الأسر، ثم صنع بعد ذلك صندوق من الخشب يمكن حمله هو أول نعش في العالم، ولا شك في أنه صنع أولا للأغنياء، ثم صار الفقراء يقلدون هذا النعش ويصنعونه من الطين أو الفخار، وكانوا يصنعونه بيضويا في نهاية الأسرة الثانية أو بداية الأسرة الثالثة. وهذا الشكل البيضوي أسهل صنعا في الطين والفخار من الشكل المستطيل.
ومن المهم أن نلاحظ أن المستر ولي دهش حين وجد في أور أن النعوش المصنوعة من الطين هي للفقراء، أما المصنوعة من الخشب فكانت كما هي في مصر للأغنياء، وفي كل من مصر وأور وجدت النعوش الخشبية ولها طاقات مصفحة بالخشب.
وعند بداية الأسرة الأولى تجد عادات الدفن في مصر بلغت الطور الذي بلغته في أور، ولكن البناء بالحجر والسقف القبوي لم يكن قد ظهر بعد في مصر إذ هو اخترع بعد ذلك وقد بدئ في مصر في البناء بالحجر للقبور في الأسرة الأولى، ولكن أول قبر كبير من الحجر هو قبر خاسخموي في الأسرة الثانية، وفي أواخر هذه الأسرة عرف السقف القبوي المرفرف لقبور النبلاء.
وعلى هذا نقول إن المجموعة المختلفة التي نجدها في أور عند السومريين إنما نمت في مصر بتراكم المخترعات التي بدأت قبل عصر الأسرة إلى أن تمت في نهاية الأسرة الثانية، وكذلك يمكن أن نقول بملء الثقة إن الحضارة الأولى في سومر كانت تعاصر الجزء الأخير من عصر الأسرة الثانية في مصر «حوالي 3000 ق.م.».
إن الحضارة كانت اختراعا مصريا، ولم تكن عيلام وسومر سوى مستعمرات مصرية نقل إليها المصريون خميرة الثقافة، ولكن ما نقل لم يكن كل الحضارة لأن قسما فقط من هذه الثقافة تأصل ونبت ونما وثمت لذلك عناصر مميزة أخرى».
الذهب والمعادن عند الفراعنة
كلنا يعرف أن هجرة الأوروبيين إلى القارة الأمريكية تعود إلى رغبتهم في الذهب، وأن استعمار الأمريكيين للولايات المتحدة نفسها كان يسير على الدوام في أثر الذهب، فحيثما يكون المنجم يهرع إليه السكان، وأفريقيا الجنوبية لم تستعمر إلا من أجل الذهب.
وكذلك الحال عندما القدماء؛ فإن الكتب السنسكريتية تذكر أن هجرة الهنود إلى الهند كانت تتخذ على الدوام تلك الطرق التي تؤدي إلى مناجم الذهب، ولكن الهنود القدماء مثل المصريين القدماء لم يكونوا يطلبون الذهب من أجل الزينة والنقد كما يطلب الآن، بل كانوا يعزون إليه صفات قيمة أكبر عندهم وألصق بحياتهم من قيمته عندنا.
كان القدماء من الهنود يصفون الذهب في كتبهم التي لا تزال تقرأ في اللغة السنسكريتية المنقرضة بأنه خالد وأنه متولد من النار وأنه يعيد الشباب ويطيل الحياة ويكثر النسل، وهو النار والنور والخلود معا.
وهذه والصفات لم يخترعها الآريون المهاجرون إلى الهند، وإنما هم أخذوها عن الفراعنة؛ فإن تقديس الذهب عقيدة فرعونية، فهم كانوا أبناء الشمس أي أبناء رع، وكان يجري في عروقهم سائل الذهب الذي ورثوه عن رع.
Bog aan la aqoon