وجوابها من وجوه:
الأول: أن يقال: ليس ظاهر كلامه أن النجاشي ومن ذكر بعده لم يصح إسلامهم. هذا كذب بحت، وافتراء ظاهر؛ لأنه قد ثبت أن النجاشي قد (١) صرح بعداوتهم والبراءة من مذهبهم وراغمهم، زيادة على التصريح بالعداوة، وقد قال: "وإن نخرتم" لما (٢) صرَّح بعبودية عيسى ﵇ حين قرأ جعفر صدر سورة مريم وما فيها من ذكر عيسى، فقال النجاشي: "والله ما زاد عيسى على هذا؛ فنخرت بطارقته فقال: وإن نخرتم"، فأي جهاد وتصريح وعداوة أبلغ من هذا؟ ومع ذلك نصر المهاجرين ومكنهم من بلاده؛ وقال: "أنتم سيوم بأرضي" أي آمنون "من سبكم ندم، ومن ظلمكم غرم" (٣) . فقد صرح بأنه يعاقب من سب دينهم وسفه رأيهم فيه. وهذا قدر زائد على التصريح بعداوتهم.
ولا يقول إن جعفرا وأصحابه يكتمون دينهم ببلاد الحبشة، ولا يصرحون بعداوة الكفار والمشركين إلا جهل الورى، وأعظمهم (٤) كذبًا وافتراءً، وهل ترك جعفر وأصحابه بلادهم، وأرض قومهم، واختاروا بلاد الحبشة، ومجاورة الأباعد والأجانب، وغير الشكل في المذهب والنسب واللسان، إلا لأجل التصريح بعداوة المشركين، والبراءة منهم جهارًا في المذهب والدين؟ ولولا ذلك لما احتاجوا إلى هجرة، ولا اختاروا