Mirqat Mafatih
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Daabacaha
دار الفكر
Daabacaad
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Goobta Daabacaadda
بيروت - لبنان
١٧٨ - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا، وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ، وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ) . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَكَثِيرٌ فِي النَّاسِ؟ قَالَ: (وَسَيَكُونُ فِي قُرُونٍ بَعْدِي») . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
١٧٨ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ): ﵁ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا أَيْ: مَنْ كَانَ قُوتُهُ حَلَالًا، وَلَمْ يَقُلْ حَلَالًا، لِأَنَّ الطَّيِّبَ مَا يَفُوحُ عَنْهُ رِيحُ الْوَرِعِ أَخْذًا مِنَ الطَّيِّبِ، فَمَا اكْتُسِبَ عَلَى وَجْهٍ، تَعَلَّقَ بِسَوَابِقِهِ أَوْ قَرَائِنِهِ أَوْ لَوَاحِقِهِ مَعْصِيَةٌ - لَمْ يَكُنْ طَيِّبًا (وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ) أَيْ: فِي مُوَافَقَةِ سُنَّةٍ وَرَدَتْ فِيهِ، أَيْ: وَعَمِلَ كُلَّ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ وَكُلَّ قَوْلٍ يَقُولُهُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ، يَعْنِي: وَيَكُونُ مُتَمَسِّكًا فِي كُلِّ عَمَلٍ بِسُنَّةٍ، أَيْ: بِحَدِيثٍ جَاءَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ حَتَّى قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَإِمَاطَةِ الْأَذَى، فَالْمُرَادُ شُمُولُ كُلِّ سُنَّةٍ لَا وَاحِدَةٍ مِنْهَا غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وَقِيلَ: تَنْكِيرُهَا لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ الْعَمَلَ فِي مُوَافَقَةِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَعَ أُخْتَيْهَا مِمَّا يُوجِبُ دُخُولَ الْجَنَّةِ، وَقُدِّمَ أَكْلُ الْحَلَالِ لِأَنَّهُ مُوَرِّثٌ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ [المؤمنون: ٥١] (وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ): الْبَائِقَةُ: الدَّاهِيَةُ وَهِيَ الْمِحْنَةُ الْعَظِيمَةُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الشُّرُورُ، وَقَدْ فُسِّرَتِ الْبَوَائِقُ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، فَرُوِيَ: ظُلْمُهُ وَغِشُّهُ (دَخَلَ الْجَنَّةَ): أَيِ: اسْتَحَقَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا): أَيِ: الرَّجُلُ الْمَوْصُوفُ الْمَذْكُورُ (الْيَوْمَ): ظَرْفٌ مُقَدَّمٌ لِخَبَرِ " إِنَّ " (لَكَثِيرٌ فِي النَّاسِ؟): بِحَمْدِ اللَّهِ، فَمَا حَالُ الْمُسْتَقْبَلِ؟ (قَالَ): ﵊ (وَسَيَكُونُ) أَيْ هُمْ كَثِيرُونَ الْيَوْمَ وَسَيُوجَدُ مَنْ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (فِي قُرُونٍ بَعْدِي) .
فِي الْأَزْهَارِ: الْقَرْنُ أَهْلُ عَصْرٍ، وَقِيلَ: أَهْلُ كُلِّ مُدَّةٍ أَوْ طَبَقَةٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثُونَ سَنَةٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ. وَقِيلَ: مِائَةٌ اهـ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَرْنَ هَاهُنَا أَهْلُ الْعَصْرِ، فَإِنَّ كُلَّ عَصْرٍ هُوَ أَبْعَدُ مِنْ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَكُونُ الصُّلَحَاءُ فِيهِمْ أَقَلَّ مِمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَلِذَا قَالَ ﵊: " «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمُ» " الْحَدِيثَ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَفْيًا لِلِاسْتِعْجَابِ عَنْ أَصْحَابِهِ ﵃ أَجْمَعِينَ. كَذَا قِيلَ، وَأَقُولُ: وَفِيهِ تَسْلِيَةٌ لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ حَمْدًا لِلَّهِ وَتَحَدُّثًا بِنِعَمِهِ، فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَذَا الْقَرْنِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) . وَكَذَا الْحَاكِمُ.
١٧٩ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ، ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا») . رُوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
١٧٩ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): ﵁ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّكُمْ): أَيُّهَا الصَّحَابَةُ (فِي زَمَانٍ) أَيْ: زَمَانٍ عَظِيمٍ مِنْ عِزَّةِ الْإِسْلَامِ وَأَمْنِ أَهْلِهِ، وَهُوَ زَمَانُ نُزُولِ الْوَحْيِ وَسَمَاعِ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ (مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ) أَيْ: فِيهِ وَهُوَ الرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الشَّرْطِ بِمَوْصُوفِهَا وَهُوَ زَمَانٌ (عُشْرَ): بِسُكُونِ الشِّينِ وَضَمِّهَا (مَا أُمِرَ بِهِ) أَيْ: مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، إِذْ لَا يَجُوزُ صَرْفُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى عُمُومِ الْمَأْمُورَاتِ لِأَنَّهُ عُرِفَ أَنَّ مُسْلِمًا لَا يُعْذَرُ فِيمَا يُهْمِلُ مِنَ الْفَرْضِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِخَاصَّةِ نَفْسِهِ. هَكَذَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّ هَذَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِبَابِ التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ: بَلْ لَوْ حُمِلَ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَهُوَ مَنْ عَمِلَ فِي سُنَّةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ كَانَ أَنْسَبَ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَيَجْرِي مَعْنَى قَوْلِهِ " مَا أُمِرَ بِهِ " فِي أَمْرِ النَّدْبِ اهـ.
1 / 264