Mirqat Mafatih
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Goobta Daabacaadda
بيروت - لبنان
وَفِيهِ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ عَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ، فَهُوَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَقْصُودِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ، وَيُؤَيِّدُهُ إِنْ قُرِئَ " لَا يَضُرُّكُمْ "، وَيَحْتَمِلُ الْجَزْمَ عَلَى الْجَوَابِ أَوِ النَّهْيِ، وَالْقِيَاسُ الْفَتْحُ، لَكِنَّهُ ضُمَّتِ الرَّاءُ اتْبَاعًا لِضَمَّةِ الضَّادِ الْمَنْقُولَةِ إِلَيْهَا مِنَ الرَّاءِ الْمُدْغَمَةِ، وَيَنْصُرُهُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ " لَا يَضُرَّكُمْ " بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالرَّفْعِ إِثْبَاتَ النُّونِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - مَعَ أَنَّهُ مِنْ لُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، أَوْ نَقُولُ: هُوَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ مُبَالَغَةً فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِلْأَمْرِ بِالْحَذَرِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابَ الْأَمْرِ لِوُجُودِ النُّونِ (وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ)، أَيْ: يُوقِعُونَكُمْ فِي الْفِتْنَةِ وَهِيَ الشِّرْكُ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ١٩١] أَوْ يُرَادُ بِهَا عَذَابُ الْآخِرَةِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ﴾ [الذاريات: ١٤] . (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
١٥٥ - وَعَنْهُ، قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ [البقرة: ١٣٦] الْآيَةَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
١٥٥ - (وَعَنْهُ): أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ)، أَيِ: الْيَهُودُ (يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ): بِكَسْرِ الْعَيْنِ (وَيُفَسِّرُونَهَا)، أَيْ: يُتَرْجِمُونَهَا (بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ) أَعَمُّ مِمَّنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا تُصَدِّقُوا): أَيْ فِيمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَكُمْ صِدْقُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ (أَهْلَ الْكِتَابِ)، أَيِ: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لِأَنَّهُمْ حَرَّفُوا كِتَابَهُمْ (وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ): أَيْ فِيمَا حَدَّثُوا مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَكُمْ كَذِبُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا وَإِنْ كَانَ نَادِرًا لِأَنَّ الْكَذُوبُ قَدْ يَصْدُقُ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّوَقُّفِ فِيمَا أُشَكِلُ مِنَ الْأُمُورِ وَالْعُلُومِ، فَلَا يُقْضَى بِجَوَازٍ وَلَا بُطْلَانٍ وَعَلَيْهِ السَّلَفُ وَكَانُوا يَقُولُونَ: لَا أَدْرِي فِيمَا يُسْأَلُونَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: مَنْ أَخْطَأَ لَا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ وَ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٦]، أَيْ: صَدَّقْنَا مُعْتَرِفِينَ بِهِ أَوْ مُوقِنِينَ بِهِ ﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ [البقرة: ١٣٦]: مِنَ الْقُرْآنِ (الْآيَةُ) . تَمَامُهَا: ﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِي مُوسَى وَعِيسَى﴾ [البقرة: ١٣٦] أَيْ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَهَذَا مَحَلُ الشَّاهِدِ وَالْمَقْصُودُ: رَفْعُ النِّزَاعِ ; يَعْنِي تُؤْمِنُ إِيمَانًا إِجْمَالِيًّا ﴿وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ١٣٦] تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٣٦]، أَيْ: فِي الْإِيمَانِ بِهِمْ وَبِكُتُبِهِمْ وَنَحْنُ لَهُ، أَيْ: لِلَّهِ أَوْ لِمَا أُنْزِلَ مُسْلِمُونَ، أَيْ: مُطِيعُونَ أَوْ مُنْقَادُونَ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
١٥٦ - وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
١٥٦ - (وَعَنْهُ)، أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (كَفَى بِالْمَرْءِ): مَفْعُولُ كَفَى وَالْبَاءُ، زَائِدَةٌ (كَذِبًا): تَمْيِيزٌ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الذَّالِ، وَيَجُوزُ كَسْرُ الْكَافِ وَسُكُونُ الذَّالِ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِثْمًا " بَدَلَ " كَذِبًا (أَنْ يُحَدِّثَ): فَاعِلُ كَفَى (بِكُلِّ مَا سَمِعَ): يَعْنِي: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ كَذِبٌ إِلَّا تَحْدِيثُهُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ مِنْ غَيْرِ تَيَقُّنٍ أَنَّهُ صِدْقٌ أَمْ كَذِبٌ، لَكَفَاهُ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ لَا يَكُونَ بَرِيئًا مِنْهُ، وَهَذَا زَجْرٌ عَنِ التَّحْدِيثِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ، بَلْ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَبْحَثَ فِي كُلِّ مَا سَمِعَ خُصُوصًا فِي أَحَادِيثِ النَّبِيِّ ﷺ وَلِذَا وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ الِاعْتِصَامِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
١٥٧ - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّتِهِ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ فِي أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» ".
رَوَاهَ مُسْلِمٌ.
ــ
١٥٧ - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَا مِنْ نَبِيٍّ): زِيَادَةُ (مِنْ) لِاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ، وَهُوَ يُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثٍ أَنَّ نَبِيًّا يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَّا وَاحِدٌ
1 / 240