Mirqat Mafatih
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Goobta Daabacaadda
بيروت - لبنان
الْفَصْلُ الثَّانِي
٩٤ - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَقَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ. فَكَتَبَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ») . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِسْنَادًا.
ــ
الْفَصْلُ الثَّانِي
٩٤ - (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ»: بِالرَّفْعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَرُوِيَ بِالنَّصْبِ، قَالَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ: رَفْعُ الْقَلَمِ هُوَ الرِّوَايَةُ فَإِنْ صَحَّ النَّصْبُ كَانَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَنْصِبُ خَبَرَ إِنَّ، وَقَالَ الْمَالِكِيُّ: يَجُوزُ نَصْبُهُ بِتَقْدِيرِ كَانَ؛ عَلَى مَذْهَبِ النَّسَائِيِّ كَقَوْلِهِ:
يَا لَيْتَ أَيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعَا
وَقَالَ الْمَغْرِبِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَلَمُ مَفْعُولَ خَلَقَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْقَلَمَ أَوَّلُ مَخْلُوقٍ، وَإِذَا جُعِلَ مَفْعُولًا لِخَلَقَ أَوْجَبَ أَنْ يُقَالَ اسْمُ إِنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَأَوَّلُ ظَرْفٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْقُطَ الْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ فَقَالَ؟ إِذْ يَرْجِعُ الْمَعْنَى إِلَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ حِينَ خَلَقَهُ فَلَا إِخْبَارَ بِكَوْنِهِ أَوَّلَ مَخْلُوقٍ اهـ. وَإِنَّمَا أَوْجَبَ مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِهِ يَفْسُدُ أَصْلُ الْمَعْنَى إِذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقِيلَ: لَوْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِالنَّصْبِ لَمْ تَمْنَعِ الْفَاءُ ذَلِكَ إِذْ يُقَدَّرُ قَبْلُ فَقَالَ: أَمَرَهُ، وَهُوَ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ تَنْصِيصٌ عَلَى أَوَّلِيَّةِ خَلْقِ الْقَلَمِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الرَّفْعِ الصَّحِيحَةِ، وَفِي الْأَزْهَارِ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ يَعْنِي بَعْدَ الْعَرْشِ وَالْمَاءِ، وَالرِّيحِ لِقَوْلِهِ ﵊: «وَكَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ، وَالْأَرَاضِينَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧] عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ؟ قَالَ: عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ، فَالْأَوَّلِيَّةُ إِضَافِيَّةٌ، وَالْأَوَّلُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ النُّورُ الْمُحَمَّدِيُّ عَلَى مَا بَيَّنْتُهُ فِي الْمَوْرِدِ لِلْمَوْلِدِ. (فَقَالَ) أَيِ: اللَّهُ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (لَهُ)، أَيْ: لِلْقَلَمِ (اكْتُبْ): أَمْرٌ بِالْكِتَابَةِ (قَالَ): وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَاءِ (مَا أَكْتُبُ؟): مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ (قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ) أَيِ: الْمُقَدَّرَ الْمَقْضِيَّ، وَفِي الْمَصَابِيحِ قَالَ: الْقَدَرُ مَا كَانَ إِلَخْ. قَالَ شُرَّاحُهُ أَيِ: اكْتُبِ الْقَدَرَ فَنَصَبَهُ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، وَمَا كَانَ بَدَلٌ مِنَ الْمُقَدَّرِ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ (فَكَتَبَ مَا كَانَ): الْمُضِيُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ ﵊. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَيْسَ حِكَايَةً عَمَّا أَمَرَ بِهِ الْقَلَمَ، وَإِلَّا لَقِيلَ فَكَتَبَ مَا يَكُونُ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ ﵊ أَيْ: قَبْلَ تَكَلُّمِ النَّبِيِّ ﷺ بِذَلِكَ لَا قَبْلَ الْقَلَمِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَخْلُوقٍ. نَعَمْ إِذَا كَانَتِ الْأَوَّلِيَّةُ نِسْبِيَّةً صَحَّ أَنْ يُرَادَ مَا كَانَ قَبْلَ الْقَلَمِ، (وَمَا هُوَ كَائِنٌ) مَا: مَوْصُولَةٌ (إِلَى الْأَبَدِ): قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: مَا كَانَ يَعْنِي الْعَرْشَ، وَالْمَاءَ، وَالرِّيحَ، وَذَاتَ اللَّهِ وَصِفَاتَهُ اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ مَا كَانَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ عَلَى الْقَدَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ظَهَرَ لِي فِيهِ إِشْكَالٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ، وَهُوَ: أَنَّ مَا لَا يَتَنَاهَى فِي الْمَآلِ كَيْفَ يَنْحَصِرُ، وَيَنْضَبِطُ تَحْتَ الْقَلَمِ فِي الِاسْتِقْبَالِ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ ﵊: (جَفَّ الْقَلَمُ) اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِ كِتَابَةُ الْأُمُورِ الْإِجْمَالِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ لَا الْأَحْوَالِ التَّفْصِيلِيَّةِ الْجُزْئِيَّةِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَوَاهِرِ الْأَدِلَّةِ الْمَرْوِيَّةِ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْأَبْهَرِيَّ نَقَلَ عَنْ زَيْنِ الْعَرَبِ أَنَّ الْأَبَدَ هُوَ الزَّمَانُ الْمُسْتَمِرُّ غَيْرُ الْمُنْقَطِعِ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِلَى مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وُصُولُ شَيْءٍ إِلَيْهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ. قُلْتُ: يُحْمَلُ الْأَبَدُ - عَلَى الزَّمَانِ الطَّوِيلِ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ اللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ انْقِرَاضُ الْعَالَمِ، أَوِ اسْتِقْرَارُ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا تَكُونَ أَحْوَالُ الدَّارَيْنِ مَكْتُوبَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ نَقْلًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ الْقَلَمُ؛ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ. فَقَالَ: يَا رَبِّ، وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ يَجْرِي مِنْ ذَلِكَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، ثُمَّ طُوِيَ الْكِتَابُ، وَرُفِعَ الْقَلَمُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ. وَفِي الدُّرِّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: («إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، ثُمَّ النُّونَ، وَهِيَ الدَّوَاةُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ،
1 / 168