159

Mirqat Mafatih

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Daabacaha

دار الفكر

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Goobta Daabacaadda

بيروت - لبنان

٨٨ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ، وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ - كأَنَّهُ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الِاخْتِصَاءِ - قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ، فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ ذَرْ») رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
٨٨ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): ﵁ (قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ) أَيْ: قَوِيُّ الشَّهْوَةِ (وَأَنَا أَخَافُ): قَالَ الشَّيْخُ: وَفِي الْبُخَارِيِّ: وَإِنِّي أَخَافُ (عَلَى نَفْسِي): بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَتُسَكَّنُ (الْعَنَتَ): بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ: الزِّنَا، أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ، وَأَصْلُ الْعَنَتِ الْمَشَقَّةُ سُمِّيَ بِهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ سَبَبُ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا، وَالْعُقْبَى (وَلَا أَجِدُ) أَيْ: مِنَ الْمَالِ (مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ): أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ أَيْ: مِقْدَارُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ امْرَأَةً، وَأُنْفِقُ عَلَيْهَا، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ فَالْعَجْزُ عَنْ شِرَاءِ الْجَارِيَةِ أَوْلَى («كَأَنَّهُ يَسْتَأْذِنُ فِي الِاخْتِصَاءِ»): بِالْمَدِّ أَيْ: قَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ، أَوْ سَلِّهِمَا، وَيُحْتَمَلُ قَطْعُ الذَّكَرِ أَيْضًا فَيَكُونُ الِاخْتِصَاءُ تَغْلِيبًا، هَذَا كَلَامُ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا فِي الْبُخَارِيِّ (قَالَ) أَيْ: أَبُو هُرَيْرَةَ (فَسَكَتَ) أَيِ: النَّبِيُّ ﷺ (عَنِّي) أَيْ: عَنْ جَوَابِي (ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيِ: الْقَوْلَ (فَسَكَتَ عَنِّي): ثَانِيًا (ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ): لَعَلَّهُ يُجِيبُ (فَسَكَتَ عَنِّي): ثَالِثًا (ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ: إِلْحَاحًا، وَمُبَالَغَةً (فَقَالَ النَّبِيُّ): وَفِي نُسْخَةِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ») أَيْ: مُلَاقٍ بِمَا تَفْعَلُهُ، وَتَقَولُهُ، وَيَجْرِي عَلَيْكَ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: جَفَّ الْقَلَمُ كِنَايَةٌ عَنْ جَرَيَانِ الْقَلَمِ بِالْمَقَادِيرِ وَإِمْضَائِهَا، وَالْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْفُرُوغَ بَعْدَ الشُّرُوعِ يَسْتَلْزِمُ جَفَافَ الْقَلَمِ عَنْ مِدَادِهِ، فَأُطْلِقَ اللَّازِمُ عَلَى الْمَلْزُومِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْفَصَاحَةِ النَّبَوِيَّةِ (فَاخْتَصَّ): قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ فَاخْتَصِ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ مِنَ الِاخْتِصَاءِ، وَقَدْ صَحَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّقْلِ فَرَوَاهُ عَلَى مَا هُوَ فِي الْمَصَابِيحِ يَعْنِي فَاخْتَصِرْ بِزِيَادَةِ الرَّاءِ. قَالَ: وَلَا يَشْتَبِهُ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى عَوَامِّ أَصْحَابِ النَّقْلِ، وَفِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ، وَكِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ، وَشَرْحِ السُّنَّةِ، وَبَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ التُّورِبِشْتِيُّ (عَلَى ذَلِكَ: فِي مَوْضِعِ الْحَالِ يَعْنِي: إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّرٌ فَاخْتَصِ حَالَ كَوْنِ فِعْلِكَ، وَتَرْكِكَ وَاقِعًا عَلَى مَا جَفَّ الْقَلَمُ (أَوْ ذَرْ) أَيِ: اتْرُكِ الِاخْتِصَاءَ، وَأَذْعِنْ، وَسَلِّمْ لِلْقَضَاءِ، وَأَوْ لِلتَّخْيِيرِ. قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ: مَا كَانَ، وَمَا يَكُونُ مُقَدَّرٌ فِي الْأَزَلِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاخْتِصَاءِ، فَإِنْ شِئْتَ فَاخْتَصِ، وَإِنْ شِئْتَ فَاتْرُكْ، وَلَيْسَ هَذَا إِذْنًا فِي الِاخْتِصَاءِ، بَلْ تَوْبِيخٌ وَلَوْمٌ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ فِي قَطْعِ عُضْوٍ بِلَا فَائِدَةٍ، وَقِيلَ: أَوْ لِلتَّسْوِيَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ مِنْ قَوْلِهِ: فَاخْتَصِرْ، أَوْ ذَرْ. بِمَعْنَى أَنَّ الِاخْتِصَارَ عَلَى التَّقْدِيرِ، وَالتَّسْلِيمَ لَهُ، وَتَرْكَهُ، وَالْإِعْرَاضَ عَنْهُ سَوَاءٌ. فَإِنَّ مَا قُدِّرَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ، أَوْ شَرٍّ، فَهُوَ لَا مَحَالَةَ لَاقِيكَ، وَمَا لَا فَلَا. وَذُكِرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الطَّاهِرَ دَعَا الْحُسَيْنَ بْنَ الْفَضْلِ فَقَالَ: أَشْكَلَ عَلَيَّ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: ٢٩]، وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: («جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ») فَأَجَابَ: بِأَنَّهَا شُئُونٌ يُبْدِيهَا لَا شُئُونٌ يَبْتَدِئُ بِهَا فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ، وَقَبَّلَ رَأْسَهُ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
٨٩ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلِّهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ "، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٨٩ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو): ﵄ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ) أَيْ: هَذَا الْجِنْسَ، وَخُصَّ لِخُصُوصِيَّةِ قَابِلِيَّةِ التَّقْلِيبِ بِهِ، وَأُكِّدَ بِقَوْلِهِ (كُلَّهَا): لِيَشْمَلَ الْأَنْبِيَاءَ، وَالْأَوْلِيَاءَ، وَالْفَجَرَةَ، وَالْكَفَرَةَ مِنَ الْأَشْقِيَاءِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَتَنَزَّهُ السَّلَفُ عَنْ تَأْوِيلِهِ كَأَحَادِيثِ السَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، وَالْيَدِ، وَمَا يُقَارِبُهَا فِي الصِّحَّةِ، وَالْوُضُوحِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَبَّهَ بِمُسَمَّيَاتِ الْجِنْسِ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى مَعْنَى الِاتِّسَاعِ وَالْمَجَازِ، بَلْ يُعْتَقَدُ أَنَّهَا صِفَاتُ اللَّهِ لَا كَيْفِيَّةَ لَهَا، وَإِنَّمَا تَنَزَّهُوا عَنْ تَأْوِيلِ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَهُ، وَلَا يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَضِيهِ الْعَقْلُ إِلَّا وَيَمْنَعَ مِنْهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَأَمَّا مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ

1 / 161