Mirqat Mafatih
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Goobta Daabacaadda
بيروت - لبنان
وَهُوَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، وَضَرَبَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ الْمُرَادِيُّ بِالْكُوفَةِ صَبِيحَةَ الْجُمْعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، وَمَاتَ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ مِنْ ضَرْبَتِهِ، وَغَسَّلَهُ ابْنَاهُ الْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الْحَسَنُ، وَدُفِنَ سَحَرًا، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامًا، رَوَى عَنْهُ بَنُوهُ الْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَمُحَمَّدٌ، وَخَلَائِقُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ): مِنْ: مَزِيدَةٌ لِاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ (إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ): الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ أَيْ: مَا وُجِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْ: إِلَّا وَقَدْ قُدِّرَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ (وَمَقْعَدُهُ): الْوَاوُ بِمَعْنَى (أَوْ) بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: أَفَلَا نَتَّكِلُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ أَوْ كَذَا حَرَّرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ أَيْ: مَوْضِعُ قُعُودِهِ. (مِنَ الْجَنَّةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: كُنِّيَ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ بِاسْتِقْرَارِهِ فِيهَا، وَظَاهِرُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ أَحَدٍ مَقْعَدٌ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدٌ مِنَ الْجَنَّةِ، وَهَذَا وَإِنْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ يَعْنِي فِي عَذَابِ الْقَبْرِ. رَوَاهُ أَنَسٌ لَكِنَّ التَّفْصِيلَ الْآتِيَ يَأْبَى حَمْلَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ. قَالَ الْمُظْهِرُ: قَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِلَفْظِ الْوَاوِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَلَيْسَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ إِلَّا بِلَفْظِ أَوْ («قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا»): الْمُقَدَّرِ لَنَا فِي الْأَزَلِ. قِيلَ: الْفَاءُ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ أَيْ: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَعْتَمِدُ عَلَى مَا كُتِبَ لَنَا فِي الْأَزَلِ (وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟) أَيْ: نَتْرُكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إِتْعَابِ أَنْفُسِنَا بِالْأَعْمَالِ لِأَنَّ قَضَايَاهُ لَا تَتَغَيَّرُ، فَلَمْ يُرَخِّصْ ﵇ فِي ذَلِكَ الِاتِّكَالِ، وَتَرْكِ الْأَعْمَالِ حَيْثُ («قَالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»): بَلْ أَمَرَهُمْ بِالْتِزَامِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ مِنَ امْتِثَالِ أَمْرِ مَوْلَاهُ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ عَاجِلًا، وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ بِحُكْمِ الرُّبُوبِيَّةِ آجِلًا، وَأَعْلَمَهُمْ بِأَنَّ هَاهُنَا أَمْرَيْنِ لَا يُبْطِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ: بَاطِنٌ، وَهُوَ حُكْمُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَظَاهِرٌ، وَهُوَ سِمَةُ الْعُبُودِيَّةِ، فَأَمَرَ بِكِلَيْهِمَا لِيَتَعَلَّقَ الْخَوْفُ بِالْبَاطِنِ الْمُغَيَّبِ، وَالرَّجَاءُ بِالظَّاهِرِ الْبَادِي لِيَسْتَكْمِلَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ صِفَاتَ الْإِيمَانِ، وَنُعُوتَ الْإِيقَانِ، وَمَرَاتِبَ الْإِحْسَانِ يَعْنِي: عَلَيْكُمْ بِالْتِزَامِ مَا أُمِرْتُمْ، وَاجْتِنَابِ مَا نُهِيتُمْ مِنَ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ بِمُقْتَضَى الْعُبُودِيَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْأُمُورِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَا تَجْعَلُوا الْأَعْمَالَ أَسْبَابًا لِلسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، بَلْ أَمَارَاتٌ لَهُمَا وَعَلَامَاتٌ، فَكُلٌّ مُوَفَّقٌ، وَمُهَيَّأٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَيْ: لِأَمْرٍ قُدِّرَ ذَلِكَ الْأَمْرُ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْفَاءُ فِي فَكُلٌّ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالتَّنْوِينُ عِوَضٌ عَنِ المُضَافِ إِلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُبْهَمَ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ هُوَ أَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ الْقَدَرَ فِي حَقِّ الْعِبَادِ وَاقِعٌ عَلَى تَدْبِيرِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ تَكْلِيفَهُمُ الْعَمَلَ بِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ، فَكُلٌّ مِنَ الخَلْقِ مُيَسَّرٌ لِمَا دُبِّرَ لَهُ فِي الْغَيْبِ فَيَسُوقُهُ الْعَمَلُ إِلَى مَا كُتِبَ لَهُ فِي الْأَزَلِ مِنْ سَعَادَةٍ، أَوْ شَقَاوَةٍ، فَمَعْنَى الْعَمَلِ التَّعَرُّضُ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَنَظِيرُهُ الرِّزْقُ الْمَقْسُومُ مَعَ الْأَمْرِ بِالْكَسْبِ، ثُمَّ فَصَّلَ ﵊ مَا أَجْمَلَهُ بِقَوْلِهِ: (أَمَّا مَنْ كَانَ) أَيْ: فِي عِلْمِ اللَّهِ، أَوْ كِتَابِهِ، أَوْ فِي آخِرِ أَمْرِهِ وَخَاتِمَةِ عَمَلِهِ (مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ) أَيِ: الْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا، وَالْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى (فَسَيُيَسَّرُ) أَيْ: يُسَهَّلُ، وَيُوَفَّقُ، وَيُهَيَّأُ (لِعَمَلِ السَّعَادَةِ) أَيْ: لِعَمَلِ أَهْلِهَا، (وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ): وَهُوَ ضِدُّ السَّعَادَةِ. وَفِي الْمَصَابِيحِ بِلَفْظِ الشِّقْوَةِ بِكَسْرِ الشِّينِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الشَّقَاوَةِ (فَسَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ) أَيْ: أَهْلِهَا مِنَ الْكَفَرَةِ، وَالْفَجَرَةِ (ثُمَّ قَرَأَ) أَيِ: النَّبِيُّ ﷺ اسْتِشْهَادًا، أَوِ اعْتِضَادًا ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى﴾ [الليل: ٥] أَيْ: حَقَّ اللَّهِ مِنَ الْمَالِ، أَوِ الِامْتِثَالِ ﴿وَاتَّقَى﴾ [الليل: ٥] أَيْ: خَافَ مُخَالَفَتَهُ، أَوْ عُقُوبَتَهُ، وَاجْتَنَبَ مَعْصِيَتَهُ ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] أَيْ: بِكَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ
1 / 157