فقلت وأنا أنفخ: نعم الحكيم أخي!
وقلت لنفسي لا شك أن حسني علام قد بلغ الآن أقصى الأرض، وأن صونيا ترتعد من الخوف واللذة. ••• - ولا كلمة، سأقتلعك من الوكر! - ولكني لم أعد طفلا. - ألم تسرع بأمك إلى القبر؟ - اتفقنا على ألا نذكر ذلك الماضي البعيد. - ولكني أراه حاضرا، ستذهب معي إلى الإسكندرية ولو اضطررت إلى أخذك بالقوة. - عاملني كرجل من فضلك. - إنك ساذج، أتظننا غافلين، لسنا غافلين.
وتفرس في وجهي بقوة ثم قال: إنك غر جاهل، ماذا تحسبهم؟ أبطالا .. هه؟ إني أعرفهم خيرا منك، وستذهب معي طوعا أو كرها. •••
فتحت لي الباب. كنت خافق القلب، جاف الحلق، مشتت الفكر. برز لي وجهها من الدهليز القاتم أبيض شاحبا. حدقت في بعينين جامدتين، لم تعرفني أول الأمر، ثم اتسعت عيناها لوقع مفاجأة غير متوقعة، وهمست: أستاذ منصور!
تنحت جانبا فدخلت وأنا أقول: كيف حالك يا درية؟
تقدمتني إلى حجرة الجلوس، وقد أضفى منظرها الحزين على كل شيء كآبة وتجهما. جلسنا على مقعدين متقاربين، وعلى الحائط أمامنا صورته تطل علينا من إطار أسود وهو يسدد إلينا الفوتوغرافيا كأنما يلتقط لنا صورة، تبادلنا نظرات صامتة حزينة، ثم سألت: متى جئت إلى القاهرة؟ - جئت من المحطة رأسا. - إذن علمت ...؟ - أجل، في مكتبي، ثم أخذت ديزل الساعة الثانية مساء.
ونظرت إلى صورته وأنا أتشمم رائحة التبغ الذي يدخنه وهي مستكنة ما تزال في جو الحجرة، ثم سألت: هل قبض عليهم جميعا ؟ - أظن ذلك. - وأين ذهبوا بهم؟ - لا أدري.
تشعث شعرها في إهمال، وشحبت بشرتها البيضاء، وضعضعت عينيها نظرة ذابلة مسهدة. - وأنت؟ - كما ترى.
وحيدة بلا مورد. كان أستاذا مساعدا بكلية الاقتصاد ولكن بلا مدخرات. كل شيء واضح وضوح الكآبة التي تخنق المكان كله. - درية، أنت زميلة قديمة، وهو صديق، أعز صديق رغم كل شيء.
ثم استجمعت شجاعتي وواصلت: أنا موظف، ولي إيراد لا بأس به أيضا، ولست مسئولا عن أحد كما تعلمين.
Bog aan la aqoon