وأخيرا جاء منصور باهي مذيع بمحطة الإسكندرية، في الخامسة والعشرين، وقد أثر في وجهه الرقيق وقسماته الصغيرة الجميلة، أجل فيه شيء من الطفولة ولا أقول الأنوثة، ولكن بدا من أول الأمر أنه يعيش في ذاته عسير الألفة.
إذن قد شمل العمران الحجرات جميعا وطارت المدام من الفرح. وتوثب قلبي للترحيب والتعارف ولإشباع عواطفه المتعطشة. وقلت للمدام: شباب مرح جميل، فلعلهم لا يزهدون في مجلسنا العجوز.
فقالت بسرور: وليسوا طلبة على أي حال.
لم يتجاوز التعارف حدوده الرسمية، حتى اقتربت الليلة الأولى لموسم أم كلثوم فعلمت أنهم سيسهرون معنا حول الراديو وأنها ستكون ليلة طيبة عامرة بالشباب والغناء. •••
أعدوا فيما بينهم عشاء من الشواء وشرابا من الويسكي .. جلسنا حول الراديو وزهرة تقوم على خدمتنا كنحلة. الليلة باردة ولكنها صامتة لم نسمع للرياح فيها صوتا وقالت زهرة: إن السماء صافية وإنك تستطيع أن تعد النجوم. ودارت الكئوس وزهرة جالسة عند البارفان تراقبنا بنظرة باسمة. عانى طلبة مرزوق وحده قلقا خفيا. قال لي قبل السهرة بأيام: «سينقلب البنسيون جحيما.» إنه يخاف الأغراب، ولم يشك في أنهم يحيطون بتاريخه وظروف حراسته علما، إن لم يكن عن طريق الصحف فعن سبيل المذيع منصور باهي.
وكانت المدام كعادتها قد استخلصت منهم المعلومات الخليقة بأن تشبع تطفلها الأبدي: مسيو سرحان البحيري من أسرة البحيري!
لم أسمع عن الأسرة من قبل ولا بدا على طلبة مرزوق نفسه أنه سمع بها. - وقد دله صديق على البنسيون لما علم بضيقه بشقته القديمة.
وحسني علام؟ - مسيو حسني من أسرة علام بطنطا.
وخيل إلي أن طلبة يعرفها ولكنه تجنب الحديث ما أمكنه. - وهو يملك مائة فدان!
قالتها بزهو كأنها هي المالكة. - لم تزد ولم تنقص فالثورة لم تمسه.
Bog aan la aqoon