فقلت وأنا أبتسم في ثقة وانتصار: هذا هو يقيني، فليكن لك في ذلك عزاء.
وأزف الميعاد ولم يجئ علي بكير. انتظرت نصف ساعة أخرى مرت في عذاب أليم. قمت إلى التليفون وطلبت مسكنه فلم يرد أحد. لعله في طريقه إلى هنا ولكن ماذا أخره؟ ألا يقدر ما يفعله التأخير بي؟ ونظر طلبة مرزوق في ساعته ثم قال: «آن لي أن أذهب.» ثم صافحني وذهب. ولم أكف عن الشراب. وأخيرا جاء الجرسون ليخبرني بأن شخصا يطلبني في التليفون. وثبت واقفا ثم هرعت إلى التليفون. تناولت السماعة وقلبي يضرب بشدة: آلو .. علي؟ .. لم لم تجئ؟ - سرحان .. أصغ إلي .. انكشف الأمر!
تفاعلت كلماته مع وش الكحول في أذني، وانداحت جميعا في دوران شمل السماء والأرض: ماذا قلت؟ - قضي علينا! - ولكن كيف؟ .. قل ما عندك دفعة واحدة. - ما الفائدة؟ .. أراد السواق أن يفوز بالغنيمة وحده فوقع في شر عمله .. سيعترف بكل شيء .. إن لم يكن قد اعترف بالفعل.
سألت بريق جاف: والعمل؟ .. ماذا أنت صانع؟ - قضي علينا .. سأفعل ما يمليه علي الشيطان.
وأغلق السكة.
إني أرتجف ولا تكاد تحملني قدماي. فكرت لحظة في الهرب، ولكني عدت - تحت عيني الجرسون - إلى المائدة. لم أجلس، شربت الكأس، أديت الحساب. اليأس يزحف بسرعة مذهلة. وخوف مثل الشيطان. فارقت موقفي إلى البار رأسا. بطريقة غير شعورية. طلبت من البارمان زجاجة واندفعت في الشراب بلا وعي وهو يرمقني بقلق. أصب وأشرب ثم أصب، دون كلمة أو لفتة أو تريث. ثم رفعت رأسي إليه قائلا: موسى حلاقة من فضلك؟
تردد قليلا، ولما قرأ الإصرار في وجهي نادى الجرسون وسأله عن موسى. رجع الجرسون بموسى مستعملة عارية فتقبلتها شاكرا ثم أودعتها جيبي. انفصلت عن البار بشيء من المشقة ثم مضيت نحو الباب الخارجي. مترنحا .. يائسا .. متعجلا. عبرت الطريق وبودي لو أركض ركضا.
كنت يائسا .. يائسا .. يائسا.
عامر وجدي
تنغص علي صفوي بالأحداث التي ألمت بالبنسيون. لقد ركنت إليه لأنعم بشيء من الهدوء الضروري لشيخوختي. وبشيء من عزاء الذكريات عن الخيبة المريرة التي منيت بها في ختام حياتي العملية. لم يجر لي في الظن أنه سينقلب ميدانا لمعارك وحشية قدر لها أن تنتهي بجريمة قتل دامية.
Bog aan la aqoon