فهتفت به مؤنبا: الله يسامحك! •••
قلت لنفسي: يا للعجب! إنها نظرة يطيب بها غرور الرجل، لم تلح فيها ابتسامة ولا رعش هدب، ولكنها - المدرسة - حولت رأسها بغتة عن زهرة وكتابها ورشقتني بها. لم تدم أكثر من ثوان. هربتها إلي في غفلة من زهرة وعامر وجدي. لم تدم أكثر من ثوان. وقد أتلقى عشرات مثلها فلا تهزني شعرة وأعتدها نظرة عابرة، غير أنها عكست ومضة معبرة لا توصف وكأنما أبلغتني رسالة كاملة. غيرت خط سيري فقبعت وراء الزجاج بمقهى الميرامار أراقب السحب وأنتظر. تدبير بلا هدف، وليس وراءه عاطفة، ولكنه تطلع - من فراغ ويأس - إلى مغامرة، أية مغامرة. ولم تكن بالمثال الذي يمكن أن يفتنني ولا حتى يثيرني، ولكنها - فيما بدا - دعتني إلى نزهة في يوم عطلة شديد الملالة.
وإذا بها تمر أمام المقهى واضعة يديها في جيبي معطفها الرمادي. تبعتها عن بعد حتى لحقت بها في أثنيوس. ابتاعت بعض الحلوى ووقفت كالمترددة فاقتربت منها وحييتها. ردت التحية فدعوتها إلى قدح شاي، فقالت لي إنها كانت تفكر في الجلوس بعض الوقت. احتسينا الشاي وتناولنا قطعتين من الجاتوه، ثم دار حديث تعارف سطحي ولكن لا يخلو من معلومات مفيدة عن الأسرة والعمل. وسياق الحديث وحده هو الذي جعلني أطالب بموعد قريب. وتقابلنا في بوفيه سينما أمير، ثم شهدنا الفيلم معا، وكان علي أن أحدد نوع المغامرة ولونها، ولم أجدها بالقياس إلى قلبي جديرة بالمثابرة والتعب، ورغم ذلك فعندما دعتني إلى زيارة أسرتها قبلت. أدركت أنها تبحث عن زوج. وزنتها بعقل بارد، قدرت المرتب والدروس الخصوصية وتذكرت في ذات الوقت يأسي المتزايد من زهرة، وفي أسرتها عثرت على إغراء جديد وهي ملكية والديها لعمارة متوسطة بكرموز. وجدتني أفكر في الأمر بجدية لا طمعا في مالها ولا حبا فيها، ولكن انسياقا لحنيني القديم إلى الزواج. وزهرة؟! قد أجد شيئا من عزاء من غدري بها في الزواج نفسه الذي سيربطني إلى الأبد بامرأة لا أحبها، ولكن هل أستطيع حقا أن أقهر الحب المشبوب في قلبي؟! •••
أشار إلي راجيا أن أنتظر. كنت هممت بالانصراف بعد شراء الجريدة وكان يحاسب زبونا، فلما فرغ منه أقبل علي وهو يقول: أستاذ .. سأخطب زهرة!
داريت انزعاجي بابتسامة وسألته: مبارك، هل تم الاتفاق بينكما؟
أجاب منتفخا بالثقة: تقريبا!
نبض قلبي بألم أليم وأنا أسأله: ماذا تعني بقولك «تقريبا»؟ - هي زبونة يومية، لم نطرق الموضوع صراحة، ولكني خير من يفهم النسوان.
كرهته في تلك اللحظة لحد الموت، أما هو فسألني: ما رأيك يا أستاذ في أخلاقها؟ - طيبة جدا، والحق يقال.
سأخطبها من مدام ماريانا حتى أهتدي إلى أهلها.
تمنيت له التوفيق ثم ذهبت، ولكنه لحق بي بعد خطوتين وهو يسأل: ماذا تعرف عن الخلاف بينها وبين أهلها؟ - كيف علمت به؟ - أنبأني به عامر بك، العجوز. - جملة ما أعرفه أنها عنيدة وأبية النفس.
Bog aan la aqoon