تفرست في وجهي قليلا ثم سألتني: ماذا تريد؟ - أريدك أنت يا زهرة.
لاحظت نظرة جادة في عينيها وهي تفكر، فسألتها: ستأتين؟
سألتني بمرارة: ماذا تريد مني؟
أفقت قليلا من سكرتي وقلت بحذر: نتحادث ونتبادل الحب. - لكننا نفعل ذلك الآن. - في عجلة وخوف يفسدان السرور. - لا أرتاح لأفكارك. - إنك تسيئين فهمي.
هزت رأسها كأنما تؤكد فهمها. وذهبت وهي تبتسم رغم ذلك.
داخلني حزن وتعاسة. جعلت أقول متحسرا: لو كانت من أسرة ... لو كانت على علم أو مال! وانهمر من لساني سيل من اللعنات. •••
وكانت ليلة أم كلثوم.
نازعني المزاج إلى قضائها في بيت علي بكير لنتلقى السماع في جو هادئ جدير به، كما دعاني رأفت أمين إلى السماع في مسكنه، ولكني فضلت - بعد تفكير - السهرة في أسرة البنسيون لأوثق علاقاتي بأفرادها. رأيت صينية كبيرة مليئة بالشواء فتعجلت الشراب لأتزود بالشجاعة الضرورية للهجوم. وهيمن علينا جو أسطوري فأنشدت أسطورة عن «آل البحيري» ومركز وكيل الحسابات، لا على سبيل الفخر الكاذب وحده، ولكن تمهيدا للطريق أمام الثروة المنتظرة من مغامرة علي بكير. وانقض علينا حديث السياسة كالقضاء المحتوم. أما سمعتهم ...؟ ما قولكم؟ .. أتريدون رأيي صراحة؟ أدركت بالغريزة أنني ممثل الثورة، مع احتمال مشاركة منصور في ذلك. وانهال الثناء وتبادلنا الأنخاب. ولمحت زهرة فقلت لنفسي إنها ممثلة الثورة الأولى، وتذكرت كيف دعت لها أمامي مرة وكيف لفحني صدق الدعاء وحماسه البريء. ترى أيرتاب منصور باهي في صدقي؟ يا صاحبي إني بطبعي عدو أعداء الثورة ألا تفهم؟ وإني من الموعودين ببركاتها، ألا تفهم؟ •••
لقد أغلقت من الأبواب بقدر ما فتحت. - تذكر الملايين ثم احكم من جديد. - حسن، وما رأيك في المنعمين الجشعين؟ - رأيي أنهم أعداء للثورة؛ فلا يحكم بهم عليها. •••
وقد عشقت مدام ماريانا، لا لأنها تحب غناءها فحسب ولكن لخفة روحها، ولأنها شريط مسجل يعيد ذكرياتها الخاصة بحنين يوناني عتيد. ومن خلال ذكرياتها رأيت لمحات من حياتي الخاصة، كالحب القديم، كحب الحياة الطيبة الناعمة. وهي ترجع في الأصل إلى قوم مهاجرين، والمهاجرون قوم وطنهم هو البلد الذي يوفر لهم السعادة.
Bog aan la aqoon