Gotthold Ephram Lessing
في 22 يناير عام 1729م، بمدينة كامينتس
Kamenz
بمنطقة أوبرلاوزيتس
Oberlausitz (في ألمانيا الشرقية الحالية) لأب قسيس بروتستانتي فقير لا يجتني من وراء حرفته هذه إلا القليل، فعاشت أسرته لا تعرف إلا ضيق الحال والضنك، ولكنه أحاط أولاده منذ نعومة أظافرهم بجو جاد، واهتم بتعليمهم اهتماما كبيرا. ويحكى أن جوتهولد كان من طفولته يحب الكتب حبا جما، وأنه كان في الخامسة من عمره يعرف الكتاب المقدس وكتاب تعليم الدين المسيحي على مذهبه وديوان الأغاني الكنسية. كان أبوه يقوم بنفسه على تعليمه تارة، ويستعين بمدرس خاص تارة أخرى، حتى بلغ الصبي السابعة من عمره، فأرسله إلى مدرسة البلدة، فظل يختلف إليها نحو خمس سنوات، حتى إذا بلغ الثانية عشرة بعث به أبوه إلى مدينة مايسن حيث التحق بالمدرسة الشهيرة «مدرسة سانت أفرا الأميرية»، وتابع الدرس والتحصيل بها أربع سنوات أظهر فيها لمعلميه قدرة ممتازة على الفهم والتعلم والتحصيل وبز أقرانه وكلهم من المتفوقين، وهل كانت مدرسة سانت أفرا الأميرية تقبل في صفوفها غير المتفوقين النابهين؟ ولم يكتف الفتى باستيعاب ما تضمنه برنامج المدرسة، بل تجاوزه إلى تعلم لغات وعلوم أخرى، فتعلم الفرنسية، وتعلم الإيطالية، وتبحر في الآداب، وتعمق في العلوم والرياضيات.
وكان التلميذ لسينج إلى جانب اهتمامه بمواد الدراسة يجرب قلمه على الأدب، فكتب القصائد على طريقة أناكريون وكتب مسرحيته الأولى «العالم الشاب».
فلما بلغ السابعة عشرة من عمره خرجته المدرسة قبل الموعد ، وقال عنه الناظر: «هذا حصان يتطلب علفا مضاعفا، ولم يعد لدى المدرسة ما تقدمه له.» فحمل عصاه ورحل إلى ليبتسج (ليبزج) عام 1746م، والتحق بجامعتها الشهيرة، وإذا باسمه يسجل في كلية اللاهوت، التي تصادف أن حصل على منحة دراسية للدراسة بها. لكن التحاقه بها كان اسميا أكثر منه فعليا، اجتذبته الحياة في «باريس ألمانيا»، واستهواه الناس والأصدقاء، وأغرم بالمسرح وبالفنون، وتعرف بفرقة كارولينه نويبر التي أشرنا إليها في حديثنا عن جوتشد.
ترك دراسة اللاهوت، وتابع أستاذين بالجامعة؛ أولهما يوهان فريدريش كريست (1700-1756م) صاحب التعليقات والشروح على الأدباء القدامى، وثانيهما الفيلسوف الرياضي إبراهام كستنر (1719-1800م)، هذا إلى جانب جوتشد الذي كان نجمه قد أشرف على الأفول، وكان أعداؤه (بودمر وبرايتنجر) يظهرون عليه، ويزيدون دواما بانضمام أقلام جديدة إليهم، منها قلم لسينج نفسه.
وشجعته صلته الجديدة بفرقة نويبر على تناول مسرحيته «العالم الشاب» بالتعديل والصقل، وتسليمها إلى فرقة نويبر التي مثلتها فلاقت نجاحا كبيرا، وأحس الجمهور بالعبقرية المسرحية الناشئة. والحق أن لسينج كان مولعا بالمسرح على نحو فريد، وكان يقول إنه لا يكاد يطوف بمخيلته خاطر حتى يتحول إلى مسرحية.
وطيرت الأخبار صورة من حياة لسينج في ليبتسج إلى والديه في كامينتس، فحزنا حزنا شديدا لعزوف الابن عن اللاهوت، وارتمائه في أحضان المسرح الذي كان في رأيهم فسقا وكفرا وضلالا، وفكر الأب في حيلة يبعد بها ابنه عن تلك البيئة الموبوءة، فكتب إليه في عام 1748م يخبره أن أمة مريضة مرضا شديدا، وأنها على قاب قوسين أو أدنى من القبر، وأنها تود أن تراه قبل أن تودع هذه الدنيا، فأسرع جوتهولد عائدا وكم كانت دهشته عندما وجد أمه بخير وعافية! وكم كانت حسرته عندما تبين أن أباه - وهو القس الوقور التقي - لا يتورع عن الكذب والمناورة. ويستطيع الإنسان أن يتصور في غير جهد أن هذه المناورة لم تمر على لسينج مروا عابرا، بل هزته هزة عظيمة اقتلعت جذورا فكرية كانت لا تزال ثابتة في حياته. منذ ذلك اليوم انفصمت علاقته بوالديه ولم تتحسن إلا قليلا فيما بعد، وتدهورت فكرته عن طبقة الكهنة الذين كثيرا ما يمثلون الدين شكلا ولا يمثلونه موضوعا، وتأكدت نزعته إلى الحرية في الحياة والفكر.
Bog aan la aqoon