وقال بعض مخالفينا، وفرقة من أصحابنا: إن الخمر لا يجوز الانتفاع به لتحريم الله إياه، وإن تقل [إلى] خل بعلاج من ملح أو غيره، واحتجوا في ذلك: أن العين محرمة لا يجوز أن تتحول حلالا، واحتجوا أن الشريعة قد أقرت على حكم بعد النبي (- صلى الله عليه وسلم -)، واحتجوا أيضا بالحديث الذي روي يوم فتح مكة في الخمر؛ لما وصل الثقفي بها، وقد كان صديقا للنبي(- صلى الله عليه وسلم -) قبل الهجرة؛ فلما دخل النبي (- صلى الله عليه وسلم -)، مكة - جاء براوية خمر يهديها إليه، فقال له النبي (- صلى الله عليه وسلم -): "يا أبا فلان أما عملت أن الله قد حرمها"؟ فأمر غلامه يأمر فيها، فقال: بم أمرته؟ فقال: أمرته أن يبيعها، فقال له النبي (- صلى الله عليه وسلم -): "إن الله الذي حرم شربها حرم ثمنها" خ - لعله بيعها - وأمر النبي (- صلى الله عليه وسلم -) فصبت في بطحاء مكة، فقالوا: لو كان الخمر صنع ينتفع به في حال ثانية: لم يأمر النبي (- صلى الله عليه وسلم -) بإراقته، وهو نهي عن إضاعة المال، وقال النبي (- صلى الله عليه وسلم -): "بعثت بكسر الصليب، وقتل الخنزير، وإراقة الخمر، ولا يجوز للمسلم إمساكها بعد علمه بتحريمها دون إراقتها".
فالجواب لهم في ذلك: أن جلد الميتة قد حرمه الله، ورسوله؛ كما حرم الخمر، فمنع من ذلك؛ فإذا جاز الانتفاع به بعد الدباغ، وأجاز حبسه بعد التحريم له إلى أن يعالج، فيتغير حكمه، فيصير حلالا، فكذلك الخمر يعالج حتى يتغير فيصير حلالا.
وجلد الميتة أصل متفق عليه، فيجب أن يرد إليه المختلف فيه من الدباغ به من الخمر: كجلد الميتة، والمحرم يجوز الانتفاع به بعد الدباغ، والله أعلم.
فإن قال قائل: ولم قلتم: إن الملح يحول النبيذ خلا؟ قيل له: لما كان تحريم النبيذ لشدة الحادثة فيه، وكان الملح يذهبها - زال التحريم، لزوال العلة، وانتقل عما كان عليه، وجاز الانتفاع به.
Bogga 70