ومن علامة الجاهل: أنك تجده للعلم معاديا، وعليه رازيا، وعنه منصرفا، يظلم من خالطه، ويعتدي علي من هو دونه، ويتطاول على من هو فوقه، ويتكلم بغير تدبير، وإن سكت سها، وإن عرضت له فتنة وقع فيها، وإن رأي فضيلة أعرض عنها، وقلما تكون محنة فاضل إلا من ناقص، وبلوى عالم إلا من جاهل، وقد نهي العلماء عن صحبة الجهال، وقال أبو الدرداء: علامة الجاهل العجب، والنطق فيما لا يعنيه، وأن ينهي عن شئ ويأتيه، وقال عمر ابن عبد العزيز، يعرف الجاهل بكثرة الالتفات، وبسرعة الجواب، وليست حالة أوضع لقدر الإنسان، ولا أضر عليه ولا أجلب للشر إليه، ولا أقبح لذكره ، ولا أذم لأمره من الجهل، وهو الداعي للعار، والهاوي [بصاحبه] إلى النار، والمبعد [عن] السلامة، والمدني من الندامة، والسبب لكل مغرة، والجالب لكل مضرة، والذاهب بخيري الدنيا والآخرة؛ فالجاهل ميت وإن كان حيا، معدوم وإن كان شيئا، فقير وإن كان غنيا.
وقيل لبعض الحكماء: ما لكم لا تعاتبون الجهال؟ فقال: إن لا نكلف العمي أن يبصروا، ولا الصم أن يسمعوا؛ فهم كما ذكرهم الله تعالي: " صم بكم عمي فهم لا يرجعون".
وقيل: ينبغي للعاقل أن يخاطب الجاهل مخاطبة المتطيب للمريض، وقيل: لا يعرف الجاهل إلا العالم، ولا المعصية إلا المطيع.
وأصل طبع بني آدم الجهل، والعلم حادث فيهم كما قال الله تعالي: " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا" ؛ فبالعلم يعرف الله وحده؛ وبه يطاع ويعبد، يلهمه الله السعداء، ويحرمه الأشقياء.
وروي الحسن عن النبي (صلي الله عليه وسلم) أنه قال: "من لم يتعلم العلم عذبه الله على الجهل؛ فلا شئ أفضل عند الله من العلم والفقه، والفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، ولكل شئ دعامة ودعامة هذا الدين الفقه".
فصل:
Bogga 23