وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: («عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ، وَكَرِهَ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ، وَلَا طَاعَةَ» .) (١) .
فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَرَدْتُ بِقَوْلِي إِنَّهَا (أَهَمُّ الْمَطَالِبِ فِي الدِّينِ، وَأَشْرَفُ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ.) الْمَطَالِبُ الَّتِي تَنَازَعَتِ الْأُمَّةُ فِيهَا بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ، وَهَذِهِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْإِمَامَةِ.
قِيلَ لَهُ: فَلَا لَفْظٌ فَصِيحٌ، وَلَا مَعْنًى صَحِيحٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرْتَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، بَلْ مَفْهُومُ اللَّفْظِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا أَهَمُّ الْمَطَالِبِ فِي الدِّينِ مُطْلَقًا، وَأَشْرَفُ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا.
وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَكَ، فَهُوَ مَعْنًى بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ تَنَازَعُوا بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ فِي مَسَائِلَ أَشْرَفَ مِنْ هَذِهِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْأَشْرَفَ، فَالَّذِي ذَكَرْتَهُ فِيهَا أَبْطَلَ الْمَذَاهِبَ، وَأَفْسَدَ الْمَطَالِبَ.
وَذَلِكَ أَنَّ النِّزَاعَ فِي الْإِمَامَةِ لَمْ يَظْهَرْ إِلَّا فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ ﵁ (٢)، [وَأَمَّا] (٣) عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ نِزَاعٌ إِلَّا مَا جَرَى يَوْمَ السَّقِيفَةِ،
(١) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ فِي: الْبُخَارِيِّ ٩/٦٣ (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً) . وَهُوَ بِمَعْنَاهُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي: الْبُخَارِيِّ ٤/٤٩ - ٥٠ (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ)؛ مُسْلِمٍ ٣/١٤٦٩ (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ.)؛ سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ ٣/١٢٥ - ١٢٦ (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ) .
(٢) ﵁: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ)، (ب) .
(٣) وَأَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)، (م) .